كتب:عباس منصور
وإن كان معهما - مع الشاعرين دبشة وسلمان - سيرة سابقة على إصداريهما الأخيرين «سيد الأجنحة»، هاهنا جمرة..» إلا أنني سأتوقف عند التجلي الأخير لهذا الوجود عند كليهما.
{ قلت «السيال والمتحفظ» في العنوان فهلا أبنت؟
- السيال هو الشاعر البحريني «مهدي سلمان» في مجموعته «هاهنا جمرة، وطني، أرخبيل» سيال في الوجود والموجود، متأمل لحضور الأجساد. اجساد الناس وغيرهم من عالم المادة أو عالم الفكرة والتصور، يفلت من اسر سلطة التاريخ ومفاهيم الناس المؤبدة عبر مسيرتهم فيه، يوقن تماما انه أتى على الناس تاريخ لم يكن لهم وجود فيه». هناك في الماضي/وبالتحديد - في جزء من الماضي - نساء ينكسرن أمام قلبك/فاقرأ التاريخ في حذر لتعرف كيف تعلق دائما بشباكهن»، سيال من سلطة الدين ومن كل يقين اقامه الناس في التاريخ، يوقن فقط بانفعالاته، بخبراته، بحواسه وملكاته، هذا الانسيال لا يقطعه سوى تناص بعض قصائده مع النص القرآني في تصويره المؤبد لبعض الحالات والأحداث التاريخية في القصص منه، ويقطعه ايضا الخوف من الإيغال في الغموض ويقطعه هذا الشغف المترصد لاقتناص الأنثى - جسد الأنثى - وفتح مسارات للوعي والعرفان عبر نتوءات الجسد الأنثوي وخريطته الفاتنة ووصل تلك الخريطة بتاريخ الوجود السابق على حضور الذات الشاعرة وخصوصا لحظة الخلق، ويقطعه أخيرا الحداء اللطمي في طقس الزيارات لرموز التاريخ الإسلامي في منعطفه الحاد خلال النصف الثاني من القرن الأول الهجري هذه البكائيات التي انتهكت الذات الشاعرة وصيرتها رادودا يحدو الجماعة الثاكلة وصيرتها تابعا لسلطة التاريخ وللمرة الأولى عبر النص الشعري عند سلمان، ولولا كل ذلك ما وقف في سبيل الشاعر السيال شيء، ولصار صوتا بريا كاسحا يمتلك من الحرية ما يكفي للتأثير في الأثر والمأثور.. في التاريخ والناس.. لولا ذلك لصار أهلا لصداقتي الكاملة.
والمتحفظ هو الشاعر الكويتي «صلاح دبشة»، نعم متحفظ فهو يحوم حول الرؤية، يؤشر صوب الوعي ولكنه يترك جوهرته لخيال القارئ، يخاف الانشائية حد الفضيحة كأنها الإفشاء بأسرار وتفاصيل المعشوقة عند البدو وقطاع الطرق، هذا التحفظ يحد من بلاغة الرؤية ورهافة المعنى «أمرق في الفتحات الضيقة بين البيوت/وخطاي لا تؤذي التراب/بظلال أصابعي/أحاول فتح ابواب موصدة/وأهرب/كمن يصعد السلالم في سماء فسيحة» وقد يظن البعض ان ذلك ضد «الإيحاء» ومع «القول والإفصاح» الذي يتنافى مع الموقف الشعري، في «سيد الأجنحة» مشروع للحرية ودرب للفكاك من رتابة التاريخ وبلادة الخطوات على ارضه وموات كائناته وشيخوختها في مهدها ولذا احتشدت العناوين بحضور متحرر محكوم بسياقات غير التي في تاريخ الأرض «أطل من سطح تنبح فيه ظهيرة/مدركا/أن السماء فكرة من يطير/والأرض تقتل الساقطين في حضنها من الأعالي» وعليك ايها القارئ ان تستدعي ما شئت من حضور اخلاقي لهؤلاء «الساقطين» على الرغم من ان وظيفتها في السياق الشعري اقرب الى ظرفية الانتقال من مستوى الى آخر. . يضغط إذن على الذات الشاعرة هذا التحفظ من البوح والإبلاغ عن بشاعة الانسحاق تحت افق سلطة التاريخ وموازين اليقين، فالوعي بالذات وبحضور الآخرين يستدعي في جزء من التعبير عنه لغة من خارج التاريخ، لغة مغموسة كليا في حمأ الغريزة قبل دخول التاريخ واختراع مفرداته الطارئة التي اكتسحت غرائز الناس ووعيهم وشحنتهم بالتصنيف الوضيع وبأحكام القيمة، وهاك صوت الشاعر كما ينبغي «دع الروح تفضي بفنائها الى العالم/فيعلو في آفاقك جناح المعدمين/ جناح للبؤساء والأطفال/لليتامى/جناح للمحطمين والصعاليك /للمشردين والمنكوبين /جناح لمن ظلمته خرافات الأهالي والأقارب/ جناح لها، ولي..» وهذا الاقتباس السابق واللاحق من المواضع النادرة في «سيد الأجنحة» التي لم تنحل فيها الذات الشاعرة عن دورها في حسم الدلالة وتسييج بلاغة الرؤية، وليته - صلاح - يخفف من خوفه وفزعه مما يتصور أنه الإنشاء والقول.. مما يتصور انه الفضيحة، وليته يتخلى عند هذا القدر الكبير من توريط القارئ وتحميله العبء الأكبر في ضبط أبعاد الرؤية وصياغة مورفولجيتها الجديدة.
- وماذا بعد؟
- بقى أن أحيي صاحبيّ وأقول لهما : من الحماقة أن يقضي الانسان عمره كله في التمرين، والكثر حمقا اذا صار متمكنا ان يقضي على وعيه بالنظر في الوراء وخصوصا اذا تمرن بما فيه الكفاية للطيران.
أنظر المقال في الوسط الكويتية:
وإن كان معهما - مع الشاعرين دبشة وسلمان - سيرة سابقة على إصداريهما الأخيرين «سيد الأجنحة»، هاهنا جمرة..» إلا أنني سأتوقف عند التجلي الأخير لهذا الوجود عند كليهما.
أحاول على هذه المساحة أن أمرن ذاتي معهما، هما النص - هنا - وأنا تأويله، وذلك بالمعنى الوجودي السياق الانساني أو بالمعنى الفني للسياق الشعري.
- اذن بم يتشاركان .. صلاح، سلمان؟
- يجمع بينهما العناية بالمعنى والاهتمام ببلاغة الرؤية، ويجمع بينهما هذا الشغف بالنظر في مفردات الوجود، فعند صلاح تتحول الذات الشاعرة الى كائن خفيف يهرب من واقع الأرض والتاريخ فيكون العواء ويكون الهفيف والريش ويكون «سيد الأجنحة» وعند سلمان ذات تتأمل كائنات الأرض والتاريخ خصوصا الجسد - جسد المرأة - جسد النجوم والأشجار والموج ويكون في النهاية «سيد الأبواب» هو الذات الشاعرة، وقد انعكس هذا الوعي على لغة كل منهما تماما، ففي حين اخذت اللغة عند صلاح طابع الحكاية والسرد ليتنفس الحضور العائلي وتفاصيل الطفولة أخذت عند سلمان طابع الزهد في المبنى من مفردات اللغة حتى إنه كاد ينفي تماما الموصول منها ويستعيض عنه باللام الداخلة على الفعل، ولأول مرة أرى لام الموصول تدخل على حرف النفي في استخدام بديع يؤبد الرغبة في الفكاك والنزوح عن سلطة التاريخ والحضور المجتمعي البليد وان كان في الأعراف اللغوية، فيقول «مت انت كما شئت إذن وانج من الموت اللم تختار/مت مقلوبا مثل جنون صهيل النسوة عن الليل المنسي بآخر قلبي».
- السيال هو الشاعر البحريني «مهدي سلمان» في مجموعته «هاهنا جمرة، وطني، أرخبيل» سيال في الوجود والموجود، متأمل لحضور الأجساد. اجساد الناس وغيرهم من عالم المادة أو عالم الفكرة والتصور، يفلت من اسر سلطة التاريخ ومفاهيم الناس المؤبدة عبر مسيرتهم فيه، يوقن تماما انه أتى على الناس تاريخ لم يكن لهم وجود فيه». هناك في الماضي/وبالتحديد - في جزء من الماضي - نساء ينكسرن أمام قلبك/فاقرأ التاريخ في حذر لتعرف كيف تعلق دائما بشباكهن»، سيال من سلطة الدين ومن كل يقين اقامه الناس في التاريخ، يوقن فقط بانفعالاته، بخبراته، بحواسه وملكاته، هذا الانسيال لا يقطعه سوى تناص بعض قصائده مع النص القرآني في تصويره المؤبد لبعض الحالات والأحداث التاريخية في القصص منه، ويقطعه ايضا الخوف من الإيغال في الغموض ويقطعه هذا الشغف المترصد لاقتناص الأنثى - جسد الأنثى - وفتح مسارات للوعي والعرفان عبر نتوءات الجسد الأنثوي وخريطته الفاتنة ووصل تلك الخريطة بتاريخ الوجود السابق على حضور الذات الشاعرة وخصوصا لحظة الخلق، ويقطعه أخيرا الحداء اللطمي في طقس الزيارات لرموز التاريخ الإسلامي في منعطفه الحاد خلال النصف الثاني من القرن الأول الهجري هذه البكائيات التي انتهكت الذات الشاعرة وصيرتها رادودا يحدو الجماعة الثاكلة وصيرتها تابعا لسلطة التاريخ وللمرة الأولى عبر النص الشعري عند سلمان، ولولا كل ذلك ما وقف في سبيل الشاعر السيال شيء، ولصار صوتا بريا كاسحا يمتلك من الحرية ما يكفي للتأثير في الأثر والمأثور.. في التاريخ والناس.. لولا ذلك لصار أهلا لصداقتي الكاملة.
والمتحفظ هو الشاعر الكويتي «صلاح دبشة»، نعم متحفظ فهو يحوم حول الرؤية، يؤشر صوب الوعي ولكنه يترك جوهرته لخيال القارئ، يخاف الانشائية حد الفضيحة كأنها الإفشاء بأسرار وتفاصيل المعشوقة عند البدو وقطاع الطرق، هذا التحفظ يحد من بلاغة الرؤية ورهافة المعنى «أمرق في الفتحات الضيقة بين البيوت/وخطاي لا تؤذي التراب/بظلال أصابعي/أحاول فتح ابواب موصدة/وأهرب/كمن يصعد السلالم في سماء فسيحة» وقد يظن البعض ان ذلك ضد «الإيحاء» ومع «القول والإفصاح» الذي يتنافى مع الموقف الشعري، في «سيد الأجنحة» مشروع للحرية ودرب للفكاك من رتابة التاريخ وبلادة الخطوات على ارضه وموات كائناته وشيخوختها في مهدها ولذا احتشدت العناوين بحضور متحرر محكوم بسياقات غير التي في تاريخ الأرض «أطل من سطح تنبح فيه ظهيرة/مدركا/أن السماء فكرة من يطير/والأرض تقتل الساقطين في حضنها من الأعالي» وعليك ايها القارئ ان تستدعي ما شئت من حضور اخلاقي لهؤلاء «الساقطين» على الرغم من ان وظيفتها في السياق الشعري اقرب الى ظرفية الانتقال من مستوى الى آخر. . يضغط إذن على الذات الشاعرة هذا التحفظ من البوح والإبلاغ عن بشاعة الانسحاق تحت افق سلطة التاريخ وموازين اليقين، فالوعي بالذات وبحضور الآخرين يستدعي في جزء من التعبير عنه لغة من خارج التاريخ، لغة مغموسة كليا في حمأ الغريزة قبل دخول التاريخ واختراع مفرداته الطارئة التي اكتسحت غرائز الناس ووعيهم وشحنتهم بالتصنيف الوضيع وبأحكام القيمة، وهاك صوت الشاعر كما ينبغي «دع الروح تفضي بفنائها الى العالم/فيعلو في آفاقك جناح المعدمين/ جناح للبؤساء والأطفال/لليتامى/جناح للمحطمين والصعاليك /للمشردين والمنكوبين /جناح لمن ظلمته خرافات الأهالي والأقارب/ جناح لها، ولي..» وهذا الاقتباس السابق واللاحق من المواضع النادرة في «سيد الأجنحة» التي لم تنحل فيها الذات الشاعرة عن دورها في حسم الدلالة وتسييج بلاغة الرؤية، وليته - صلاح - يخفف من خوفه وفزعه مما يتصور أنه الإنشاء والقول.. مما يتصور انه الفضيحة، وليته يتخلى عند هذا القدر الكبير من توريط القارئ وتحميله العبء الأكبر في ضبط أبعاد الرؤية وصياغة مورفولجيتها الجديدة.
- وماذا بعد؟
- بقى أن أحيي صاحبيّ وأقول لهما : من الحماقة أن يقضي الانسان عمره كله في التمرين، والكثر حمقا اذا صار متمكنا ان يقضي على وعيه بالنظر في الوراء وخصوصا اذا تمرن بما فيه الكفاية للطيران.
أنظر المقال في الوسط الكويتية:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق