سلمان يلتقط جمرة من أرخبيل الوطن

شاعر يتحكم بقياد لغته ويوجهها إلى حيث رؤاه

أفراح الهندال















كتبت - أفراح الهندال:

"أقولُ لقلبي
ارتجلْ بعضَ نبضِك
لا تلتزم بالذي كتبوه لكَ
اخرج قليلاً عن النص
كن كاذبًا أرعنًا يتحدى طبيعته
وتوقف متى شاء قلبك أن تتوقفَ
لا ما تشاءُ الروايةَ
أنزل ستائركَ المخملية في أي فصل
ولا تنتظر من يصفق
ليس هنالك من يتفرج
غيري أنا
وأنا لا يدانِ ولا رغبةٌ في البكاء"

في هذا المقطع تحديدًا عالمٌ كبيرٌ يفضي به "يسار الصدر", عنوان الباب الأول من ديوان الشاعر البحريني مهدي سلمان, حيث تكمن خصوصية تجربة الشاعر بشكل كبير, وتبوح بالحالة التي تسبغ رفيفها على لحظة الكتابة, لتتشكل لغته الخاصة وبَصْمتِه الأصيلة فيما يكتب.

فالارتجال عامل اليقظة ووعي الشعرية عند مهدي, يغوي الفِكَ¯ر والمشاعر لتدخل بوتقة اللغة, وتنصهر في نسق يؤسس رؤاه حول العالم, الذات, والتجربة والعلاقات المتشظية بينها دونما اتكاء على تجارب السابقين بشكل يستنسخ بنية الكتابة أو محركها.
الشعر عنده لعنة لا فكاك منها, تتحدى الطبيعة, وتمسك بالنبض وتمرره كيفما شاءت أن تكون لحظتها الشعرية. حينها يتجلى صراع الشاعر. وهو المنتصر دائمًا في التحكم برسن اللغة وتسييسها وعب الرؤى إبداعًا مدونًا.
وبذلك يقول:
"تُخاط اللغة
في حساسية بالغةٍ
بينما يتفتق قلبي
وحيدًا كغربة هذا الزبد"
لعنة الشعر الحاضرة, والحساسية ووعي اللحظة وصدقية الهم في الكتابة أجمعين تولد تدوينًا لا ينتظر التصفيق, ولا يدخل ضمن طقوس الوقوف عند طلل الذكريات والواقع بعريه, ولا بحيثيات التطهير عند أرسطو أو إسقاطات دراكوليدس النفسية, ف¯"لا يَدانِ ولا رغبةٌ في البكاء" و إنما هي عملية خلقٍ لعالم حي, تجترح كتابة الشاعر فيه آثار علاقاته بالكون, في مراوحاتٍ تتواشج بها وتصوغها متجددة تارة, وتنفصل عنها لتخلق كائناتها الخاصة تارة أخرى, انطلاقًا من عمق التجربة ونضجها في خضم مشهد ثقافي بناء, ونشرٍ أتقن اقتناص لحظة البدء لتتجلى في باكورة الأعمال الشعرية للشاعر مهدي سلمان بديوان "ها هنا جمرةٌ, وطنٌ, أرخبيل"الصادر عن أسرة الأدباء والكتاب البحرينيين العام 2007.
واختراق عوالم الأبواب الثلاثة التي قسمت الديوان ترتبط ارتباطًا غير مباشر مع عنوان الديوان لتشكل سمات العلاقات التي تطرق إليها الشاعر وعناها, , فتتقد ثورة الروح بسكبها الشعري "جمرة ً" في الباب الأول "يسار القلب" لتضم 14 قصيدة إنسانية منها: "صمتك في الإطار" و" هناك في الماضي".
بينما تتفتق الأسئلة من كينونة الوعي لتنطق في مختلف الجهات من "وطن" تقر فيه العلامات وتنطلق لتحيط بالعالم من حوله, وتتماس مع تناقضاته و كائناته, وتؤسس رؤاه في الكمال بين الأنا والأنا الكبرى"الجماعة" وتؤتي معطياتها تحت باب "جهة الأسئلة" في ستة قصائد منها:"هل الماء أنجز وعده" و"في غمرة الأسماء".
ويفسح مهدي في "يمين اللعنة" حياة "موت لا يأتي خفيفًا.. كانتصاب الروح في الرؤيا...ولا يأتي كلسعة فكرة " ليبث فيها أنفاس الروح المبدعة مشك¯لة "أرخبيل" التجربة بلغتها ورؤاها واستحضار لغتها الشعرية وصور تشظي الكلمات وتشك¯لها في سبع قصائد منها "وجع أرعن" و"سيأتي من خلفي".
واستطاعت فتنة التجريب عند الشاعر أن تخلق غنائية سِمَتها المفارقة, وتكوين الدلالات بحرفية ولغة ذكية متمكنة, وبناء مشهدي يعكسها ويتيح للنقاد التقاط إشاراتها, والوقوف عند ملامح هذه التجربة لدراستها.
ومهدي سلمان من مواليد البحرين 1975,حاصل على جوائز عدة على مستوى الدولة, وله مجموعة أخرى تحت الطبع بعنوان "السكك البصارة" ضمن مشروع النشر المشترك الذي يقوم عليه قطاع الثقافة عن دار الانتشار.

أنظر المقال في السياسة الكويتية

ليست هناك تعليقات: