سكرة تتشهى مريدين






" لهما "
- هل نسيت ؟
- أنا أيضاً ..


حزمَ السماءَ , وأودَعَ الشهداءَ في أقمارِ غزّةَ . وابتسم ..

حافٍ .. تجلّلهُ يدٌ بيضاءَ , أطرَقَ لحظةً .. ومضى إلى أعمالِهِ الأخرى بناصيةِ القيامةِ لم يوّدعْ سجنَهُ أو نكهةَ القتلى بشارِعِ قتلِهِ , فهناكَ ينتظرُ الصديقُ صديقَهُ الآتي من الإسفلت .. أو من طلقَةِ الطرقاتِ أو من عندَمِ الأعداءِ أو من صرخةٍ تندسُّ بين جبينِهِ وعويلُ امرأة يبّكتها العدم .
الساعةُ :
الآنَ فوضى مروحية ..
وهديرُ دَمْ .

ليلٌ كأنكِ غزةَ الليلُ , لا شمسَ تفتحهُ سوى القَتلُ . فلتخرجِ الكلماتُ عن صمتٍ, فليخرجِ الأهلُ عن أهلهم فليخرجِ الفُلُّ عن وهمهِ وليرتدي الوحلُ عبواتِهِ , وليصمتِ الكلُّ , وليصمتِ الكلُّ .
..

فالشارعُ
الآنَ
مبتلُّ .
...
نيسان محضُ عباءةٍ مكنوزةٍ بالريحِ , والأشياءُ عالقةٌ بذاكرةٍ سواها , بين أطفالٍ نسوا حَلَماتهم وتدافعوا للأزرقِ المخضلِّ ترفلُ فيهِ حبلى , داعبتهم مرةً , وتنافرت معهم , و شيبانٌ هناكَ يجرّبون على السنونو حكمة المُفتاح , هذانِ اللذانِ رأيتُ في حلمي , رأيتكَ أنتَ عارٍ منكَ , تسحبُ وهمَ اسمك نحو خيماتٍ مؤججةٍ بنا , وتضيعُ فينا , كلنا جهةٌ وأنتَ شربتَ , هل عطشاً شربتَ ؟ شربتَ من مرضٍ ولم يحللكَ جنيُّ النعاس , ولم يعرّش فيكَ يا نيسانُ جنيٌّ فنَم..

الساعةُ :
ندمٌ سيأكله الندم

عش ما استطعتَ , كغابةٍ مشقوقةٍ من نصفها , تمشي الذئابُ بحدسها الوحشي في أحراشها , عش ما استطعتَ , وأنتَ عِش حجراً تدحرج من أصابعهِ السقوط , مزجتَ ماء الشمس في قدحٍ , أدرت الروحَ للندماءِ واستيقظتَ .
قتلى يعبرون على قميصكَ سجّداً , ويرتّلونَ مذابحاً تأتي , وآياتٍ تلمّكَ في نوافذ حضنها .. وتموتُ , فاكسر هذه الأضلاع كي تتبصّر الموتى بعطر القلب , وارحم دهشةً تغتالُ بُطأ اللوز , ..
وارحم ما تبقّى من يباسٍ في مفاصلِ أمك السَكرى , فما زال الحليب بشعرها المبيّض , يمشي مُحبطاً , متخثّراً بالأمس .. فاقنت خاشعاً بيدينِ عكّازين , تُسّاقِط عليكَ " على سجيتها " ( الأباتشي ) شهوةً , ويفور في رجليكَ يا هذا الذي من لكنة الموتى .. لَغَم ..
الساعةُ :
جيشٌ يحارب نفسَهُ
لا .. ما انهزمتَ أمام لغزِ
مديحهِ يوماً
ولا هو في حقيقتكَ انهزم ..
..
هل هذه الأبواب تضحكُ في سريرتها , لتخفي وقع أقدام المريدين الذين تنبّهوا للكحل في عين الحصانِ , أم انها تبكي لتقلعَ نجمةَ المصباح ؟

لم تتركْ لهم عُمراً , يدفّئُ ما تبقّى من غرائزهم , فقط أحنيتَ ظلّكَ كالهلالِ , دعكتَ عينكَ بالنحاسِ , أشرتَ ناحيةَ الجنونِ بخنصرٍ , وفرشتَ في طرقٍ مفاتنَ موتكَ , الكأسَ التي تبكي , السماءَ مسحتَها بالآسِ والليمونِ , غزّةَ قلتَها في كلمتينِ .. وزغردَت بالبابِ

ليسَ وداعها أو مقتَلَكْ
هذا الذي أعطيتَهُ
طفلٌ يفتّشُ عن طفولتهِ بأثوابِ الملوكِ
خلعتَ عمركَ عند قِمّتهم ,
أشارَ عليكَ وابتسمَ المَلَكْ :
هي قمّةٌ أخرى مؤجّلةٌ ستتبعها قِمم
..

الساعةٌ :
جسدُ القتيلِ
يرفُّ فوقَ
دمائهِ الحبلى .. عَلَم ..

الآنَ أطرافُ السباتِ ثقيلةٌ بالروح , والآن الحديد يناجزُ الأسماء , والآن الأباتشي تستريحُ على يدي طفلٍ , وتعرقُ مائها الكحليّ في صحن الحساء , وغزّةَ اسمٌ واحدٌ , ووجوهُ قتلى يربطونَ الليلَ يا نيسان بالجثث الشهيدةِ , فالربيعُ هنا يفّتحُ زهرَهُ جثثاً .. ستمضي نحو عفّتكَ الخبيئةَ , أو ستصقلُ موتكَ المبحوحَ بالنهرِ الذي عمّدتهُ , تتماشيانِ على شفا حربٍ , وكلٌّ يرمقُ الثاني بنظرتهِ الغريبةَ , تهمسانِ ويسمعُ الإنسانُ سرّاً لا يُباحُ بغيرِ خمرٍ , يكرعُ الكأسَ الشريفةَ نفحةً , تتقابلانِ ..
الآنَ ليسَ سدىً وليس هويّةً
والآنَ ليس عصىً وليسَ عمىً
وليسَ تجاذباً للموتِ , ليسَ هوايةًَ
هذا الذي ينتابُكَ , الآنَ اختيارٌ واضحٌ
كشفٌ جميلٌ , زهرةُ الإشراقِ , شيءٌ مفعمٌ باللغز , ليس تخبطاً , وتخبطٌ نهِمٌ , وليس غوايةً , وغوايةٌ عدَمٌ , وليس نهايةً , ونهايةٌ أمَمٌ , وليس تسلسلاً , وتسلسلٌ نَغَمٌ ,
وليسَ سوى الهواءُ إذا تسرّبَ في صليلِ الماءِ
يفتحُ للخواصِ ليقتفوا نَفَساً أَعَمْ ..
فالساعةُ :
ماءٌ بقافيةِ المدينةِ يضطرم ..

ليست هناك تعليقات: