صناعة الشاعر


دائما ما كان حضورُ شاعرين معينين في ذهني, يثير سؤالاً حاداً حول علاقة الشعر بالتجربة الذاتية, أو إن أردنا عكس الأمر حول علاقة التجربة الذاتية بإنتاج القصيدة.
وهل تدخل التجربة كمحفّز خارجي لا يدخل ضمن النطاق الفعلي لإنتاج القصيدة, أم أنه من أركان القصيدة التي لا يمكن أن تكتمل قصيدة ما بدونها.
ثم إن كانت التجربة الذاتية هي ركن من أركان القصيدة, فما حجم دخولها في تكوين القصيدة, وأين تترك أكثر آثارها.
هذين الشاعرين اللذين يثير حضورهما هذه الأسئلة في ذهني هما الشاعر (تشي جيفارا)والشاعر (نزار قباني), وهما شاعرين امتزجت التجربة الحياتية لديهما بالتجربة الشعرية, وإن تغايرت في الهمّ الأساسي للتجربة, إلا أنها تلتقي في تمحور صورة الشاعرين ليس من خلال شعرهما وحسب, بل من خلال تجاربهما الحياتية.
ولذلك, ولهذا الحضور الطاغي في ذهنية متلقي الشاعرين للتجربة الحياتية لهما, صار من الصعب تحديد آثار هذا الحضور في المنجز الشعري للشاعرين دون الإتكاء بقصدٍ أو بدونه على ذلك المنجز الحياتي أيضاً للشاعرين.
غير أن ما يثيرني أكثر في هذا الموضوع, هو ما إذا كانت صناعة حياة الشاعر, هي جزء من صناعة التجربة الشعرية لديه, بمعنى أن يضع الشاعر حياته رهناً للتجربة, ليس لأنه يريد هذا النوع من الحياة, وليس لأن قناعاته الفعلية تجبره على الخوض في هذه التجربة, ولكن وبمقتضى فكرة ما حول مفهوم الشعرية (يربط بين الشعري وبين الحياتي)يغيّر الشاعر ذاته من أجل أن يكون متوافقاً مع شعره, أو منجزه الشعري.
في تجربة نزار قباني كنتُ دائماً ما أشعر أنه متوافق تماماً مع شعره, وكنت داماً ما ألحظ أن شعر نزار قباني لم يكن إلا نتيجة لحياة عاشها وتفاعل معها, أخذ منها, وبينما على العكس من ذلك فحين أنظر لحياة جيفارا أشعر أنه رهن حياته بمشروع شعري (أيديولوجي في بعض جوانبه), فكانت أكثر خياراته الحياتية نابعة من كيانه الشعري.
والصراع الأكبر في حياة أي شاعر يكمن هنا, بين هذه الثلاثية في القناعات التي تنتج خيارات الشاعر الحياتية والشعرية (الشعر / الحياة / الفكرة), وتجزيء هذه الثلاثية قد يكون حصل فعلاً عبر الفصل بين ما هو شعري وما هو أيديولوجي, ولكن بقي الفصل بين ما هو حياتي وما هو شعري, ليأخذ كل مسار وضعه الطبيعي, وليصبح على الشاعر أن يكون إنساناً أيضاً, وليس فكرةً شعرية وحسب.

ليست هناك تعليقات: