هل يمكن أن يكون المسرح سوى إعادة اكتشاف للذات، وبحث عميق في كينونة الفنان وبالتالي في كينونة مجتمعه، إن اضطلاع المسرح بشكل خاص من بين الأجناس الثقافية الأخرى بثقافة تحليل الذات ضمن الشكل السردي البصري، واستكشاف حدود الأنا وعلاقتها مع الآخر، خصوصاً لما يتمتع به المسرح من شكل الإلتقاء المباشر بين الباث والمتلقي، ومحدودية وقت الرسالة، بل والحالة النفسية والحضور الذهني للمتلقّي، يتيح للمسرح كشكل ثقافي ما لا يتيحه أي من أشكال عرض أجناس الثقافة الأخرى. ذلك أن المسرح وبهذا اللقاء المباشر بين طرفي الرسالة والحضور الذهني لدى الطرفين يجعل مساحة الرسالة، إن هي أثارت الطرفين مساحة ساخنة ومشغولة بالأسئلة المباشرة، ومن هنا فإننا يمكن أن نحدد أن العلاقة بين المسرح والفنان ليست علاقة جمالية وحسب، رغم ما للجمالية والبحث الفلسفي الجمالي والتقني من أهمية في بنائية العرض المسرحي، إن حضور المتلقّي بشكل مباشر ومواجه يحدّد على الفنان المسرحي أن لا يقدّم الجمالي إلا ضمن إطار مجتمعي ذهني يفرض الإلتقاء بين طرفي الرسالة بشكل يحترم كلّ منهما فيه الآخر. إن البحث الجمالي والفلسفي في المسرح يقوم بشكل متوازٍ مع البحث الفلسفي الاجتماعي، ولا يمكن أن يقدّم الفنان المسرحي نفسه بهذا الشكل الجمالي والفلسفي »المعولم« دون أن يقع في فخّ الخواء أو التلقّي المباشر من الآخر، ومن دون ترك أثر فعلي لا في ذات الفنان ولا في ذات المتلقي. إن الحديث هنا عن الهوية في المسرح ليست مشابهة أبداً للحديث عن الهوية المطروح حالياً في الشأن السياسي العالمي، ذلك أن الحديث عن الهوية في المسرح لا تدخل العصبية فيها إلا بالكم الذي يسمح بوضع إطار عام لمناقشة الهوية المسرحية من حيث هي جزء من هوية محلية لا جزءاً من الهوية الفكرية العالمية. الهوية التي نبحث عنها في المسرح لا تجعلنا نقدّم ما تريده هويّتنا »المشوّهة« سياسياً، الهوية في المسرح تجعلنا نبحث عن هوية أصيلة تجمع بيننا كمسرحيين، وبيننا كأفراد ننتمي ونتعصّب ويكون بحثنا في إطارِ انتمائنا وتعصّبنا، خصوصاً بعد أن وصلنا خلال فترة من تجريب ما يُدعى »بالفكر الحر« إلى حالة من فقدان الاتّزان، وفقدان حتى الهوية الفكرية التي أصبحت أصلاً لا هوية. فالفكر الحر يصبح فاعلاً إن هو جُرّب ضمن إطار يحدّده، ويشكّل أبعاده، ويصبح عدمياً إن هو سبح في فضاء لا نهائي من الأفكار التي تتسم أصلاً بالنسبية والميوعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق