هجرة للروح



المشهد الأول :


( يفتتح المشهد على بيت فلسطيني من الطراز القديم حيث الباحة الكبيرة والغرف المطلّة عليها , والنافورة في وسط الباحة , هنالك بضع أشخاص يتجولون في البيت , يلاحظ من ملامحهم أنهم يهود , ومعهم رجل فلسطيني في العقد الخامس من عمره , ولكن يبدو عليه الكبر , يبدأ اليهود بتصوير المكان , ويتفحّصونه جيداً بأدوات حديثة معهم , فجأة يسمع صوت كأنّه نشيج أو صراخ مكتوم )

الأول : ما هذا الصوت يا حاج شكري ؟

الحاج شكري : ( يتأفّف ) إنهُ إبني محمود .. بعيد عنكَ

وعن السامعين مُصاب بمرض خطير .. لا أدري ماذا أفعل معه .. والله إني احترت معه .. فلقد

الأول : ( يقاطعه ) خـلاص .. خـلاص ..

دعنا نكمل ....

يعني .. يا حاج شكري .. البيت أصبح من المفروغ منه أنّ الحكومة ستأخذه , ومن الآخر .. فإنكَ لن تستطيع أن تُقارع الحكومة .. , وبعدين .. ماذا ستفعل ؟

الحاج شكري : العلم عند الله ..

( يرتفع صوت الصراخ مرة أخرى , يلتفت الحاج شكري للغرف العليا ويصرخ ) يا سلمان يا إبني , بالله عليك إنظر إن لم يأخذ أخوكَ الدواء فاسقهِ له ياولدي , رحم الله والديك .. ربما خرج

الثاني : ( يربت على كتفه ) أنا أقول لك خذ

العشرة آلاف شيكل أفضل لكَ من أن تبات لتصبح فتجد نفسك في الشارع وليس عندكَ مأوى .. ولا مال تسند به ظهركَ في ذاك الوقت ..

شاحاك : أنت تعرف أن أولادك يحتاجون للمصاريف

فإبنكَ سلمان لم يجد له عملاً بعد , وحتى لو وجد فما سيتقاضاه لا يمكن أن يؤمّن لك مأوى أو أن يؤمن ما تحتاجه وعائلتك من مصاريف طعام ومؤنة وعلاج للمحروس محمود , وبعدين الدولة لم تعد لكم .. وها أنت ترى كيف بُحّ صوتك عندما اردت ترميم البيت , ولم تمنحكَ السلطات رخصة , يا عزيزي خذها مني نصيحة , خذ المال واذهب إلى غزّة .. أو لبنان أو أي بلد عربي آخر .. ألم تقل لي مرة أن لكَ أقارب في غزّة .. ؟ إذهب إليهم .. إو إذهب إلى أي بلد آخر وعالج إبنك محمود يا أخي ..

أما هنا فإنكَ تعرف أنكَ لن تجد سوى المضايقات .. خصوصاً بعد ما حصل من إبنكَ فارس ( يلاحظ تغيّر وجهه ) رحمة الله عليه .. ها .. ماذا قلت ؟

الحاج شكري : قلت أفكّر ..والله المعين في هذه البلوى التي

حلّت على رأسي ولا أعرف لها تخريجة .. بالله عليكم أين سأذهب في هذا العمر .. هل أستطيع أن أستبدل وطني هكذا بكل سهولة .. ؟ يا ألله .. من أين حلّت علي هذه المصيبة ..

الأول : ( بغضب ) تفكر ؟ تفكر في ماذا يا حاج

أنت تعرف أن الدولة إذا أخذت البيت فلن تعوّض عليك ولا بقرشٍ واحد ( بتحنّن ) بينما نحن نعرض عليك عشرة آلاف شيكل , أبو فارس .. الدولة غضبانة عليك بسبب ما فعله إبنك , فماذا تنتظر .. نحن نعرض عليك خروجاً بلا أضرار من هذا الذي دعوتهُ مصيبة .. خذ المال واترك هذي البلد التي قتلت ابنك .. وهاجر إلى أي دولة أخرى ليس بينك وبينها ثار .. أنت تعرف أنه ما من مقام لك هنا في إسرائيل بعد الذي كان من فارس .. لماذا تُكابر ؟

الحاج شكري : الله يجازي اللي كان السبب ..

الثاني : يا أبا فارس .. البيت بعد شهر سيصير

تابعاً للوكالة اليهودية للآثار , هذه معلومات أكيدة وأنت بنفسك رأيت الصور والخرائط , وإذا كنت ستنتظر لتتأكد بنفسك سيكون البيت قد طار .. والشيكلات أيضاً .. بعد شهر من الآن سيكون هذا البيت موقعاً للتنقيب عن الآثار اليهودية من العصر السليماني العبري هنا في القدس , هذا أمر واقع , فماذا يقول العقل ؟ ها ..

أن تستفيد من هذا البيت بمبلغ من المال أو أن تصلّب رأسكَ ولا تحصل سوى على الندم والذل والمهانة في آخر حياتك .. , تصوّر نفسك ساكن في خيمة على حدود القدس .. لن تستطيع .. أنا اعرفكَ جيداً يا أبا فارس , مؤكد لن تستطيع .. ثم أنك لست لوحدك , إن معكَ أولادك الذين كبروا ما شاء الله عليهم .. ألا تريد أن تزّوج سلمان .. أن ترى أولاده قبل أن تموت .. الله يطول بعمرك , هنا في إسرائيل .. لا لن تستطيع فما فعله فارس سيظل يلاحقهم ويلاحقك طوال حياتهم .. يعني أيرضيكَ أن يظل أبناؤك مُطاردين طوال حياتهم على جرم لم يكن لهم يد فيه ؟؟ خليك عاقل يا حاج .. بعِ البيت لنا ونحن نستطيع التصرف مع حكومتنا .. واستفد بالمال , فأنت لم يعد لك عيشٌ هنا على هذه الأرض .. بِعْنَا البيت يا حاج .. بعهُ واخلُص

الحاج شكري : (يقف مشدوهاً لا يعرف ماذا يقول )

شاحاك : يا الله .. نحنُ نستأذن .. وسنأتيكَ بعد

يومين لنعرف ردّك .. وأرجو أن لا تتأخر علينا في الرد .. فربما تباغتنا الوكالة .. وتتصرف بما يسوؤكَ .. ويسوؤنا .. ( يخرج الثلاثة , ويبقى الحاج شكري وحيداً , يتأمل البيت , فجأة يرتفع صراخ محمود من جديد , يجلس الحاج شكري على الأرض واضعاً يده على وجهه )

( إظلام )


المشهد الثاني :

( نفس المشهد السابق , تفتح الإضاءة تدريجياً على أبي فارس بنفس الوضعية السابقة , يدخل عليه ولده سلمان فيجده منكساً رأسه , ثم يرفع راسه ينظر لسلمان بحزن .. ثم ينكّس راسه مرة أخرى )

سلمان : ماذا قال لكَ هؤلاء النجس حتى صرت

بهذه الحالة ؟

الحاج شكري : ( ينظر إليه بحزن ) يا بني أتريد أن تتزوّج ؟

سلمان : أيُّ زواج يا أبي .. إن دم المرحوم لم يبرد

بعد , وحرقة دم أمي عليه وموتها طريحة الفراش , عن أي زواج تتحدث يا أبي بالأمس فقط دفنّا أمي .. وقبلها أخي , الذي لم نستطع حتى دفن بقايا رفاته ..

الحاج شكري : كان هذا منذ ثلاثة اشهر .. ثم أنني لا

اتحدث عن اليوم ..

أنا أتحدث عن الفكرة .. ألا تراودك فكرة الزواج ..

سلمان : الفكرة التي تراودني الآن ليست فكرة

الزواج ..

ولكن ما دخل الزواج في هذه السحابة من الحزن التي غطّت وجهكَ منذ أن دخل هؤلاء عليك .. هل جائوا ليخطبوا لي ؟

الحاج شكري : ( يبتسم هو الآخر ) والله يفعلونها .. وهل

عاد هنا شيء في حياتنا لم يتدخلّوا فيه .. لم يبقَ إلا أن يزوّجوا شبابنا حسبَ أهوائهم .. ( فترة صمت )

المسألة يا ولدي أنهم قالوا لي شيئاً لخبطَ كياني .. , جعلني ساهماً لا أعرف ماذا افعل .. ( يتطلّع كل منهم نحو الآخر ) يقولون أن البيت سيصير بعد شهر تابعاً للوكالة اليهودية للآثار ..

سلمان : أي بيت ؟

الحاج شكري : بيتنا هذا .. يقولون أن تحته آثاراً من العصر

العبري .. يجب أن يهدموه ليتاكدوا من ذلك ..

سلمان : أي عصر عبري .. وأي آثار .. ماذا تقول

يا أبي .. ؟

الحاج شكري : والله .. هذا ما قالوه , أروني بعض الخرائط

وأشياء لم أعرفها , وقالوا لي أن البيت سيدخل ضمن مشاريع الوكالة في الشهر القادم ..

سلمان : وهل هم من الوكالة ؟

الحاج شكري : إنهم موظفون في الوكالة .. ولكنهم جاؤا

اليوم بصفة شخصية .

سلمان : لماذا ؟

الحاج شكري : عرضوا عليّ شراء البيت مني .. قبل أن

تضع الوكالة يدها عليه ..

سلمان : ها .. ها .. !

الحاج شكري : أعرف أنهم يسعون لمصالحهم الخاصة , لكن

يا إبني والله إن كان كلامهم صحيحاً , فسوف نذل في آخر حياتنا , ثم أنهم فرّجوني على صور وخرائط ومخططات .. وتعرف أن شاحاك يعمل في تلك الوكالة , وهو أدرى .. يعني ... المسألة ...

سلمان : لا يا أبي .. لا تقل أنك موافق على البيع ..

الحاج شكري : يابني .. ليست هذه هي .. الحكاية ...

ولكن .. أووف .. كنتُ أعرفُ أنّك ستقول هذا .. أنت عنيد مثل أخيك ولكن المسألة الآن أكبر منّا جميعاً .. أنت تعرف أننا إن رضينا أو لم نرض فإنهم سيأخذون البيت , .. يعني لازم نحسبها صح .. والوكالة

سلمان : لا يا أبي إذا أردنا أن نحسبها صح علينا

أن نتمسك بحقنا , البيت بيتنا ولن نتخلّى عنه

الحاج شكري : سيُهدّ فوق روؤسنا

سلمان : ليكن .. ولكن المهم

الحاج شكري : لا يا ولدي .. المهم عندي هو أنتم .. لا

أريد أن أجرّب الخسارة مرة أخرى .. أرجوك يا ولدي , يكفيني ما حلّ بنا من جرّاء ما فعلهُ أخوك .. والله إذا خسرت أحدكم بعد سأموت .. لم تعد لي طاقة على الإحتمال .. لا يا ولدي .. المهم أنتم .. والبيت .. البيت في داهية ..

سلمان : ( يهزّ رأسه ) البيت في داهية .. والأرض

في داهية .. والوطن في داهية .. ماذا تبقّى لنا إذن أن نسفّ التراب .. أن نركع على ركبنا نستجدي هذا أو ذاك .. أن نهرب كالفئران ونختبئ من كل خشخشة ..

الحاج شكري : نحن .. نحن نبقى لبعضنا .. حتى لو تكوّرنا

في جحر خُلد .. ( سلمان يهز رأسه معترضاً دون أن يتكلّم ) وأنت تعرف أن المرحوم .. لم يترك بما فعله مجالاً لنا للعيش على هذه الأرض ..

سلمان : الشهيد فارس .. إن ما فعلهُ الشهيد فارس

فعلهُ ليبقينا على هذه الأرض .. فعلهُ لتشرّش جذورنا هنا في وطننا ..

الحاج شكري : ( يتنهّد .. ينهض من مكانه ) الشهيد

فارس .. إذا كان هناك رجل في الدنيا فهو الشهيد فارس إبني .. الله يرحمه , أعرف هذا جيّداً , وأعرف أن ما فعلهُ لا يعادلهُ شيء في الدنيا , لكن يا بني , لسنا كلنا نستطيع أن نفعل ما فعله .. وأنا مسؤول عنكم أنتم .. أولادي .. كلكم , أنت وأخوك وأخواتك البنات .. هنا أو في غزّة .. أنتم أمانة في عنقي , أمك أوصتني عليكم , وأنا لا أستطيع أن أترك البيت ينهدّ على رؤوسكم وأقف أتفرّج .. ومن أجل ماذا .. من أجل آثارات يهودية .. الله يعلم أنها أبداً لم يكن لها من أثر تحت تربة هذا البيت .. يا بني .. إسرائيل لا يهمهّا أحد , والعالم سيدير ظهره لنا دون أن يسمع صرخاتنا .. وربما في أحسن الأحوال سيقف ليتفرّج علينا .. ويمصمص شفاهه في تحسّر .. ثم لن يفعل شيئاً , يعني لو ركبنا رأسنا .. فلن يجدينا هذا سوى الخسران من الجانبين ..

سلمان : هذا إن كانوا صادقين يا أبي .. ألم تفكر

أنهم يريدون فقط أن ينهبوا البيت منك .. يعني .. أليس ممكناً أن الوكالة لا تدري بشيء عمّا يفعلونه

الحاج شكري : يا ولدي .. حتى إن كان ماتقولهُ حقيقة

فغاية الأمر أنهم سيستصدرون تصريح بالحفر .. ثم يغدو ما قالوه واقعاً مفروضاً .. الأمر ليس عسيراً عليهم يا ولدي ..

فهم يعملون في الوكالة .. ونحن في دولة يهود .. يعني في النهاية .. البيت لهم عاجلاً أم آجلاً

سلمان : ليس إن قاومناهم

الحاج شكري : وماذا يفيدنا إن فعلنا .. يا إبني .. الله

يرضى عليك .. لا تحمّلني أكثر مما أستطيع .. يعني لو قاومناهم ماذا سنفعل سوى أن نموت هنا .. أنا كنتُ أعرف أنكَ ستكون المشكلة .. أنت مثل أخوك فارس أبداً لن ترضى بترك البيت .. لكن يا إبني .. لأجل خاطر أبوك يا إبني .. لا تُذّلني في آخر حياتي

سلمان : يا أبي .. التمسّك بالحق ليس إهانة .. ولا

ركوب راس .. كيف نتخلى عمّا هو لنا بكامل إرادتنا لمجرّد أن منتزع حقنا أقوى منا .. فليقتلوني .. وليأخذوا البيت بعدها ..

الحاج شكري : وأظل بحسرتي عليكم واحداً بعد الآخر ..

أترضاها لي يا ولدي ..

سلمان : لا يا أبي .. لا أرضاها .. ولكن أنت أيضاً

لا ترضى لي أن أعيش بقيّة حياتي ذليلاً , والله يا أبي إن فعلتها وبعت البيت ستبقى هذه حسرة تؤرقني لبقيّة حياتي ..

الحاج شكري : ستنسى ياولدي , ستنسى ..

سلمان : ( يصمت ) ..

الحاج شكري : سنذهب إلى غزّة , على الأقل أخواتكَ

البنات هناك

سلمان : ( يهز رأسه ) عن إذنك يا أبي , أنا ذاهب

الحاج شكري : إذنك معك يا ولدي ( يهم سلمان

بالذهاب بينما يدخل محمود فيتراجع سلمان ليسلّم على محمود )

سلمان : أهلاً محمود , كيف حالك اليوم ..

محمود : بخير .. بخير ..

الحاج شكري : منذ قليل كنت تصرخ

محمود : نعم ..

سلمان : ألم تأخذ الدواء ؟

محمود : بلى .. بلى أخذته منذ قليل

الحاج شكري : إسترح يا ولدي

محمود : سمعت أن شاحاك

الحاج شكري : ( يقاطعه ) أجل كان هنا .. كان هنا ..

محمود : وماذا يريد ؟

سلمان : أبوك قرّر أن يبيع البيت ..

محمود :( باستغراب ) وأين سنذهب إن بعت

البيت يا أبي أتريدنا أن نبات في الشارع ؟

الحاج شكري : سنذهب إلى غزّة ..

محمود : إلى غزّة . ولماذا .. ما الذي يدعونا لبيع

بيتنا والسفر إلى غزّة ,ثم ما دخل شاحاك ؟

سلمان : شاحاك سيشتري البيت ..

محمود : ( بغضب ) بعيد عن شواربه ..

الحاج شكري : ( ينظر لمحمود بغضب ) محمود .. أبوك

أعطى كلمة ..

محمود : ( يصمت )

سلمان : ( بضجر ) إذهبوا إلى غزة .. إذهبوا إلى

المريخ .. أما أنا فلن أبارح هذا البيت حتى يتمزّق جسدي .. تحت جرافاتهم .. ( ينظر لأبيه بتحنّن ) عفواً يا أبي ولكن , لن أغرّب نفسي وأنا لي بيت ووطن ..

الحاج شكري : بل ستأتي معنا ..

محمود : ما الحكاية .. ؟

الحاج شكري : الحكاية طويلة .. ومفادها أن بيتنا هذا

ستصادره الوكالة اليهودية للآثار .. وشاحاك طلب شراء البيت قبل أن تصادره الوكالة .. وسيدفع عشرة ..

محمود : وأنت قررت الذهاب بنا إلى غزّة ؟ ما

الفائدة يا أبي فهناك أيضاً سنظل تحت قبضتهم وأي بيت نسكنه فسيكون مصيره مثل هذا البيت ..

الحاج شكري : ( واجماً ) وماذا أفعل ؟

محمود : ليكن أي مكان آخر .. بعيداً عن إسرائيل

مكان أستطيع أن أتعالج فيه , وتستطيع أنت وسلمان العثور على وظيفة فيه .. ولكن غزّة , غزّة دائماً مقصوفة , محاصرة , فماذا ستفعل هناك , هل ستترك أزواج بناتك يصرفون عليك ؟

الحاج شكري : ولكن .. يعني نتغرّب عن فلسطين ..

محمود : غربة في غربة , وهل نحن هنا في فلسطين ؟

نحن هنا في إسرائيل , وفي غزّة أيضاً سنكون في إسرائيل

سلمان : ماذا تقول يا محمود ؟لم أظن أبداً أنك تفكر

بهذه الطريقة !

محمود : ( يوجّه كلامه للأب ) مكتوب علينا الغربة

يا ابي .. فليكن تفكيرنا منطقياً .. ولنرحل إلى مكان نستطيع العيش فيه عيشة أوادم ..

الحاج شكري : ولماذا لا نلملم أنفسنا ؟

محمود : أين ؟ في غزّة ؟ في غزّة يتبعثر الإنسان فرداً

فكيف نلملم أنفسنا في غزّة ؟ لا .. لا .. نلملم أنفسنا في مكان آخر .

سلمان : بل نلملم أنفسنا هنا .. على هذا التراب ,

وفي حضن هذا البيت

الحاج شكري : ( بضيق ) هذا البيت خلاص ..

سلمان : إذا كان هذا البيت خلاص , فنحن أيضاً

خلاص

الحاج شكري : لا .. نحن باقون .. في غزّة .. أو في أي

مكان آخر ..

سلمان : أشباح .. ظلال مشوّهة , مسوخ بشر

ولكن بقائنا هنا هو ما يعيد لألواننا صفائها .. والتشبّث بالأرض هو ما يعيد لوجوهنا ملامحها التي بهتت .. وانمّحت ..

الحاج شكري : ( يهز رأسه ) لقد قررت البيع والرحيل

وانتهى الأمر .. وغداً سيأتي شاحاك وسأتفق معه ..
 ( إظلام )



المشهد الثالث :

( سلمان يدخل ومعهُ إثنين من أصدقائه ويجلسون على المصطبة )

محمد : ( يلتفت يمنة ويسرة ) أخاف أن يسمعنا

أحد ..

سلمان : لا , المكان آمن محمود في الأعلى والبنات

في المطبخ .

شاكر : كل المواد جاهزة , إشتريتها منذ يومين

وخزنّتها في مكان سري .. ولكن ماذا عن العملية ؟ أظنك لم تجد بعد الموقع الملائم ؟

سلمان : لا أدري . ولكن المركز التجاري أصبحت

عليه حراسة مشدّدة طوال الأربع والعشرين ساعة .. وهذا سيصّعب عمليتنا .. إن لم يجعلها مستحيلة .

محمد : وماذا سنفعل ؟

سلمان : لا أدري .. ولكن لابد أن هناك بديل

للمركز التجاري ..

شاكر : ولماذا لايكون المطعم المحاذي للمركز , إنّه

يكتّظ دائماً عند الساعة الثانية , وهذا صيد جيّد .

محمد : لا .. لا . هذا المطعم يدخل فيه الكثير من

العرب .

سلمان : يبدو أنه علينا أن ننتظر ..

محمد : لا بأس .. مزيد من الوقت يمنحنا مزيد من

الإطمئنان على نجاح العملية .

شاكر : أعتقد أن ما فعلَهُ بهم الشهيد فارس رحمه

الله هو ما أجنّهم وجعلهم يتشددون لهذه الدرجة .

سلمان : ولكني أعتقد أنهم في النهاية لن يستمرّوا

بهذا التشدّد فهذا يضايق زبائنهم أيضاً ..

شاكر : أعتقد أن هذا التشدّد سيزول تدريجياً ..

محمد : نعم , وعلينا فقط أن ننتظرهم حتى

يطمئنوا ويريحوا أعصابهم , ثم نضرب ضربتنا .

شاكر : ولكن حتّى ذلك الحين علينا نحن أن نجهّز

لعمليتنا بالشكل الجيّد , لا نريد أي خطأ

سلمان : بالطبع .

محمد : متى يأتي ذلك اليوم .. أعتقد أن هذه

العملية إن نُفذّت بالشكل الجيّد ستكون ضربة قاصمة ..

سلمان : العمل من الداخل صعب , ولكن نتائجهُ

في الصميم

شاكر : إنّه يضرب أمنهم في مقتل ..

محمد : لن ندعهم يشعروا بالأمان في ديارنا ,

سنجعلهم يعيشون الرعب كل ساعة وكل ثانية , وسيكون على كل واحد منهم أن يلتفت يميناً ويساراً قبل أن يخطو أي خطوة

شاكر : ولتتحول حياتهم إلى ترقب وخوف دائمين

محمد : ( لسلمان ) سمعنا أن شاحاك يُكثر من

زيارتكم هذه الأيام ؟

سلمان : يريد من أبي أن يبيعه البيت ..

محمد : وهل وافق أبوك ؟

شاكر : بالطبع لا .. أليس كذلك , ربما رماهُ

بالجزمة ..

سلمان : ( يصمت )

محمد : ماهذا .. نحنُ نريد أن نتشبّث بهذه الأرض

وأبوك

سلمان : ( يقاطعهُ ) أبي مرغم على التفكير بهذه

الطريقة , ولكني لن أدعهُ ينفذ ما في دماغه ..

شاكر : وما الذي يرغمهُ على بيع البيت ؟

سلمان : قالوا لهُ أنّه إن لم يبع البيت فإن الوكالة

اليهودية للآثار ستأخذ البيت بحجّة أنّ تحتهُ آثار يهودية ..

محمد : ( يهز رأسه ) وبالطبع فإنه إن إنتظر الوكالة

فلن يحصل على قرش واحد ..

شاكر : نكاية به لما فعلهُ الشهيد فارس ..

سلمان : وهنا استغل شاحاك الفرصة .. وعرض

عشرة آلاف شيكل .. وليقبل أو يبات في الشارع , لم يستطع أبي أن يضحّي بنا , إنه مخطيء ولكني أعذره , ولكني لن أدعهُ يضحي بفلسطين من أجلنا . علينا البقاء ولو هدوّا هذا البيت فوق رؤوسنا . عليهم أن يعرفوا أن التهديد لن يجدي معنا .

محمد : ولكن هذه مشكلة ربما تعطّل العملية ..

سلمان : لا أدري .. أفكر .. إن أصّر أبي ونفّذ ما

يريد .. ماذا أستطيع أن أفعل معه ..

شاكر : على العموم , علينا التعامل مع هذه القضيّة

بحذر , لا نريد إثارة الشكوك حولنا , نحن مقبلون على عملية خطيرة , ولا نريد لشيء أن يقف في طريق تنفيذها ..

محمد : نعم .. وعلى أكمل وجه

سلمان : لله التدبير ..

محمد : ربما يجب عليك يا سلمان أن لا تقف في

طريق إرادة والدك ..

شاكر : ماذا تقول ؟

محمد : من أجل العملية , إن أراد الرحيل وبيع

البيت دعهُ يرحل , وفي بيتنا متّسع لك .

شاكر : ربما يكون هذا حلاً مناسباً ..

سلمان : في الظروف العادية .. ربما , ولكن مبيتي

في بيتكم سيلفت الأنظار نحونا , نحن الآن ثلاثة أصدقاء عاطلين يبحثون عن عمل معاً في الصباح , وفي المساء يذهب كلٍ منا لبيته , ولكن أن أبات عندكم سيلفت إلينا الأنظار , وسيقول الناس لماذا لم يذهب مع أبيه .. لماذا .. ؟

شاكر : لننتـظر ونرى ما ستسـفر عنهُ الأيام

القادمة .. نستأذن الآن ..

سلمان : نلتقي غداً .. إن شاء الله

الإثنين : إن شاء الله ..

( إظلام )


المشهد الرابع :

( صوت صراخ شديد , تفتح الإضاءة تدريجياً على الحاج شكري في وسط البيت ومعهُ سلمان .. وصراخ محمود يتعالى )

الحاج شكري : الله يرضى عليك يا ولدي لا تترك أخاكَ

حتى تطمئن على حالته , الوجع يزداد عليه ولا أدري ماذا أفعل معه ( يخرج من جيبه مبلغاً ) خذ هذا ربما تحتاجه .. أسرع .. أسرع

سلمان : حسناً ولكن لا أريدكَ أن تفكر يا أبي ,

محمود سيكون بخير إن شاء الله ( يخرج )

الحاج شكري : إن شاء الله .. ( ثوانٍ تمر والحاج شكري

واقف يفكر , طرق على الباب يذهب الحاج شكري ليفتح الباب , يدخل شاحاك وزميليه ) أهلاً , أهلاً .. تفضل .. تفضلوا ..

شاحاك : أهلاً يا حاج .. كيف حالك ..

الحاج شكري : ( يتنهد ) الحمد لله على كل حال ..

شاحاك : رأينا المحروس سلمان على عجلة .. أرجو

أن يكون الداعي خيراً ..

الحاج شكري : محمود ساءت حالته كثيراً وذهب به أخوه

إلى المستشفى ..

شاحاك : ( بلا مبالاة ) ها .. ( يلتفت إلى زميليه )

المهم , لنتكلم في الموضوع ..

الحاج شكري : أولاً أقدم لكم ما تشربونه ..

شاحاك : لا .. لا .. نحن مستعجلون ولا نريد أن

نطيل هنا ورائنا اشغال , نحن فقط جئنا لنقول

الحاج شكري : ( يقاطعهُ ) أنا موافق على البيع .. موافق .

شاحاك : أجل .. ولكن الأمر هذه المرة يختلف ..

الحاج شكري : وما الذي اختلف .. ؟ أنا موافق على

البيع .. أيكون أن الوكالة اصدرت قرارها ؟

شاحاك : لا .. لا .. ولكن مدير الوكالة عرف

بالأمر , وطلب منّا نصيبهُ وإلا فإنّهُ سيقف عثرة في المسألة ..

الحاج شكري : نصيبه ؟

الأول : من البيت ..

الحاج شكري : لستُ أفهم

الثاني : على العموم .. لقد قررنا أننا لا نستطيع

منحك سوى خمسة آلاف ..

الحاج شكري : خمسة .. لماذا .. ؟

شاحاك : للبيت .. قلنا لك أن المدير عرف بالأمر

وطلب نصيبه ..

الحاج شكري : ولكن .. نحن إتفقنا خلاص

شاحاك : ذاك إتفاق آخر .. نحن أبناء اليوم ..

الحاج شكري : خمسة آلاف .. ؟

شاحاك : لو كانت المسألة بيدي .. ولكن أنا معي

إثنين آخرين يريدان حقهما ..

الأول : والمدير حين عرف بالأمر .. تدري . يريد

ثمن ونحن لا نملك إلا أن نعطيه ..

الثاني : المسألة خطيرة يا حاج شكري .. يجب أن

تتعامل معها على هذا الأساس .. لم يعد بإمكاننا أن نقدم لك الكثير , وعليك أن تحسم امرك قبل أن يتفشّى الخبر , عندها سيكون عليك مغادرة البيت دون أن تحصل على أي شيء .. طبعاً .. هذا لن يرضيك ..

الحاج شكري : ولكن خمسة آلاف.. أنت تعرف أن البيت

يساوي أكثر من خمسة وثلاثون الفاً .. أنت أيضاً لا ترضاها لي أن أبيع بهذه الخسارة ..

الأول : بلى نرضاها .. نرضاها لك .. وعليك

أن ترضاها لنفسك أيضاً , أنت كنت ستخسر البيت دون الحصول على أي شيء .. ولكن أنت الآن ستأخذ في جيبك خمسة آلاف .. ماذا تريد غير ذلك ؟ .. ثم تذكر أنّك لا تبيع البيت .. أنت تنقذ نفسك وعائلتك

شاحاك : وخمسة آلاف نعمة يا حاج شكري ..

نعمة , وأنا لا أعلم عنك أنّك ممن يرفسون النعمة , قبّل يدك واشكر الله على انّه بعثنا لك , لننقذك من ورطتك .. ولا تتبطّر يا حاج ..

الحاج شكري : ( يصمت ) لا أدري ماذا أفعل , خمسة

آلاف مبلغ زهيد .. وقد كنت معتمد على عشرة .. يعني الحكاية ..

شاحاك : أنت حر .. الأمر كلّه بيدك الآن , إما ان

تقبل وإما أن ترفض , وسيكون عليك أن تتحمل النتيجة في الحالتين , ولكن أريدك أن تعرف أننا لا نستغلّك .. أبداً .. ولكن مثل ما أنت لا تريد أن تخسر نحن كذلك , ومثل ما أنت تبحث عن مصلحتك .. نحن أيضاً , يعني الأمر كله مصالح وشغل .. ولا أريدك أن تزعل مني يا حاج فأنا أحبك وأحب لك الخير ..

الحاج شكري : نعم .. نعم .. ( واجماً ) ولكن هذا ظلم لي

ولأولادي ..

شاحاك : قلت لك .. إقبل أو ارفض .. الأمر بيدك

الحاج شكري : إقبل أو ارفض .. وكأنك تقول لي كيف

تريد أن تموت ..

الأول : نحن نعطيك خمسة آلاف .. ولا يجوز لك

أن تقارن هذا بالموت .. إنه حياة ..

الثاني : الموت هو مافعلَهُ إبنك فارس بنا .. ولا

تبدأ في الحديث وكأننا نريد قطع رقبتك

شاحاك : ( يندس زميليه وينظر لهما غاضباً ) لم

يقصد يا حاج .. إعذره .. لم يقصد ..

الحاج شكري : ( واجماً وكأنه لا يسمع كلامهم ) وإن

كان .. وإن كان .. ولكنني حائر .. ماذا ستفعل خمسة آلاف ..

شاحاك : تفعل الكثير , على الأقل ستمكنك من

السفر خارج هذه البلاد , بأقصى سرعة , وهناك عندما تحط رحالك في أي بلد تختار .. بالتأكيد ستجد لك عملاً , أنت ما شاء الله عليك ما تزال في صحتك .. وإبنك سلمان هو الآخر .. سيجد وظيفة ملائمة .. إتكل على الله واقبل ولا تتخلى عن هذه الفرصة .. فربما لن يكون بعدها فرص ..

الحاج شكري : حسناً .. أقبل وأمري لله ( على الفور

يُخرج شاحاك أوراقاً من جيبه ويأخذ الحاج شكري بالتوقيع عليها , بينما يخرج الثاني مبلغاً من المال يعطيه الحاج شكري ويضعهُ في جيبه , ثم يعتدل الحاج شكري في جلسته , وكأنه يطردهم ) في أمان الله .. ( ينظر الثلاثة لبعضهم البعض مستغربين من تصرّفه , ثم يقومون الواحد بعد الآخر ويخرجون في هدوء دون أن يقول أي منهم كلمة .. ) ( فترة صمت ) ( يدخل سلمان ناكساً رأسه وهو يبكي , .. ينظر الحاج شكري إليه باستغراب , ينهض من مكانه ويصدر صرخة مدويّة .. ثم يقع على الأرض )

( إظلام )


المشهد الخامس :

( جموع من المعزين يجلسون على كراسي , البعض يدخل والبعض يخرج , بينما صوت القرآن يهيمن على المكان , ينهي المقرئ قرائته فيما الحاج شكري وسلمان واقفين يتلقيان التعازي )

الحاج شكري : ( وهو يبكي ) لقد قررت الرحيل إلى غزّة

ما إن تنتهي أيام الحداد , قل لأخواتكَ أن يتجهزن , وجهّز نفسك أنت ايضاً ..

سلمان : ( يربت على كتفه ) لا ترهق نفسك يا

أبي .. ما تريده سيكون .. أول ما ننتهي من الحداد سنكون جاهزين للرحيل , ولكن عليك أن تحافظ على رباطة جأشك ..

الحاج شكري : ( يبكي بشدّة ) ماذا أفعل , في البدء كان

فارس , ثم أمك , وهاهو محمود يتبعه , لم يتبق لي سواك يا ولدي , لم يتبق لي سواك .

سلمان : الله يرحم الجميع ..

الحاج شكري : ( يبكي )

( في ركن آخر أحد المعزين يتحدث مع آخر )

أحدهم : سمعت أن شاحاك أخذ من الوكالة مبلغ

سبعون ألف شيكل قيمة البيت ..

الآخر : النذل .. لقد إشترى البيت من الحاج بمبلغ

خمسة آلاف ..

أحدهم : ومتى سيغادر الحاج شكري .. ؟

الآخر : لا أدري , ولكن ربما بعد الحداد , لا

أعتقد أنه سيبقى أكثر من ذلك ..

( يدخل شاكر ومحمد ويذهبان للتعزية , ويأخذان سلمان جنباً )

شاكر : أظن أن المواد مراقبة , وأعتقد أنني أيضاً .

سلمان : ماذا تقول ؟

محمد : لا تخف .. فهذا مجرد ظن ..

شاكر : رأيت رجـلاً يحوم حول المكان الذي

أخبئ فيه المواد , وحين رآني رجع بسرعة دون أن يلتفت إليّ .. وقد راينا أنّه من الأفضل لنا التحرّك السريع ..

محمد : لا بد من التحرك بسرعة لإيجاد هدف بديل

سلمان : الهدف موجود ..

محمد : أين ؟

سلمان : ( لشاكر ) هل تستطيع إحضار المواد إلى

هنا الليلة دون أن يكشفك أحد .. ؟

شاكر : أظنُ ذلك .. بلى أستطيع .. سأحاول أن

أتنكّر ..

سلمان : أحضر المواد إلى هنا ,وأنا سأتصّرف ..

شاكر : ولكن .. أين ستكون الضربة ؟

محمد : أليس المكان خطيرٌ هنا ..؟ ربما بعد أيام

سيحضر اليهود للتنقيب عن آثارهم هنا .. ولن يكون .. ( يصمت وكأنّه ينتبه لشيء , ينظر في عين سلمان )

سلمان : ( يبتسم قليلاً ) أجل هذا ما أفكر فيه ..

محمد : لكن أبوك

سلمان : غداً سيغادر ..

محمد : وأنت ؟

سلمان : سأحاول أن أعتذر لأبي في آخر لحظة ,

وأقول أنني سألحق به في غزّة بعد يومين ..

شاكر : ولكن كيف تبات المواد هنا الليلة .. ؟

محمد : إنها خطرة .. قد تنفجر في أيّة لحظة ..

سلمان : لن تنفجر .. سأضعها في غرفة الشهيد

فارس , فلم يدخلها أحد منذ أن إستشهد .. , وستكون بمأمن عن الخطر ..

شاكر : إن نجحنا في ذلك فسيكون هذا صيداً

ثميناً , فعلماء آثار صهاينة تعني خسارة كبيرة لهم ..

محمد : بالإضـافة للجـنود الذين سيحيـطون

الموقع .. على إعتبار أنه موقع اثري ..

سلمان : ولكن علينا أن نفخّخ البيت بكامله بعد

رحيل أبي وقبل وصولهم ..

محمد : لا أظن أنهم سيتأخرون .. في اللحظة التي

يخلو لهم البيت فإنهم سياتون ليعاينوه

شاكر : أرجو أن يكون عددهم كبيراً .

( ينصرف محمد وشاكر في حين يرجع سلمان لتلقي التعازي , وفي ركن آخر أحد المعزين يتحدث مع آخر )

شخص : سيذهبون لغزّة .. أنا متأكد من ذلك .. لا

مكان لهم غيرها , بنات الحاج متزوجات هناك .. ولا بد أنه سيذهب لهنّ ..

شخص : إحساسي أنه سيبقى ولو سكن خيمة ..

شخص : من ؟ الحاج شكري ؟ أبداً .. لا يمكن أن

يعيش هكذا .. طوال عمره وهو رافع خشمه ... فهل سينزله في آخر حياته .. ؟

شخص : لقد أنزله وانتهى الأمر لقد باع البيت ..

شخص : أجل باع البيت .. ولكنّه سيذهب إلى

غزة .. ثم أنه باع البيت مجبراً .. يعني تخيل لو لم يبع البيت .. فماذا كان سيحدث ؟ كان سيأخذ أمتعته غداً أو بعد غد .. ويذهب لغزّة .المسألة في الحالتين منتهية ..

شخص آخر : ( ينظر إليهما بشزر )

الحاج شكري : ( لولده سلمان ) لقد تعبتُ يا ولدي ,

قف أنت هنا وأنا سادخل لأرتاح ..

سلمان : حسناً .. خذ راحتكَ ..

( يتعالى صوت المقرئ من جديد )

( إظلام )



المشهد السادس :

( تفتح الإضاءة تدريجياً على ثلاثة أشباح تتحرك على خشبة المسرح حاملةً صناديق خشبيّة )

سلمان : ( همساً ) هيّا علينا أن نصعدها للغرفة قبل

أن يصحو أبي ..

محمد : حسناً .. إذهب أنت واستكشف الأمر

بينما نحن نحمل الصناديق ( يذهب سلمان )

شاكر : أووف .. إنها ثقيلة جداً , أتظن أن أحداً

قد رآنا ؟

محمد : لا .. لا أظن , لقد كان الظلام حالكاً

ولكنني لم اشعر أبداً بحركة غريبة ..

شاكر : أرجو ذلك ..

محمد : على العموم , العملية الآن تعتمد على

سلمان , وأرجو أن لا يستيقظ أحد الآن فتذهب كل خططنا أدراج الرياح ..

سلمان : ( يدخل ) الجو أمان , هيا قرّبوا الصناديق

( تفتح الإضاءة كاملة , يرفع الثلاثة روؤسهم وينظرون وإذا بالحاج شكري يتطلّعهم باندهاش .. )

الحاج شكري : ماذا تفعل يا سلمان ؟ وما هذه الصناديق

التي بين أيديكم ؟

سلمان : ( بارتباك ) .. إنها .. إنها ..

الحاج شكري : ( يهم بتفتيش الصـناديق ) دعني أرى

( ينظر ما بداخل الصناديق فتبدو الدهشة على وجهه ) ما هذا . ما هذا يا سلمان ؟ ماذا تنوي أن تفعل ؟ .. لا يا ولدي .. لا تفعل هذا بي , لم يبق لي سواك .. لا تفعل هذا بي ..

سلمان : لا يا أبي .. أرجوك .. لا يمكنني التراجع

الآن , عليك أن تبارك لنا هذه العملية .. إننا نقوم بواجبنا تجاه وطننا ..

الحاج شكري : لن أسمح لك بذلك .. لن أسمح لك بأن

تضيّع نفسك ..

سلمان : أنا أجد نفسي ولا أضيعها , فلا تضيّع

أنت تعبنا يا أبي .. لقد بتنا الليالي نخطّط لهذه العملية , بذلنا المال في عزّ حاجتنا له من أجل شراء هذه المواد , لم نعتمد على أحد , ولم نتكّل سوى على الله وعلى إرادتنا , كان الواحد منا يقصّر على نفسه وعلى بيته من أجل أن نشتري هذه المواد , كنّا نعمل طوال أسابيع دون أن يدري أحد , نضطر أن نظل بالجوع حتى لا نصرف قرشاً واحداً من المبلغ , لأننا نعرف أننا نحتاجهُ في شراء هذه المواد يا أبي .. أرجوك لا تضيّع علينا صنعنا , ما هي إلا الليلة وغداً , ثم نقوم بتنفيذ العمليّة ..

الحاج شكري : وأنا .. وأخواتك .. ؟

سلمان : لم أسأل نفسي هذا .. فقد كنت معتمد

على الله وعليك , ولكن سألتُ نفسي .. وفلسطين .. من لها ؟ إن تخليت عنها أنت وأنت .. وهؤلاء الشباب ... من لها ؟

الحاج شكري : يكفيني قدّمت فارس ..

سلمان : وأنا .. ماذا يكفيني ؟ أتكفيني الفرجة على

وطني يُذبح ؟ أن ألتزم الصمت بل والرحيل إن أراد لنا اليهود ذلك ؟ لا يا أبي .. ليس هذا ما أرضاه لنفسي , أو ما يرضاه الله لي , أبي .. أعلم أني الآن لا أستطيع إلا أن أتبع رأيك .. وأعرف كم تحمّل قلبك في الشهور الأخيرة .. فقدان فارس .. مرض أمي ورحيلها .. ثم موت أخي محمود , أعرف أن هذا كلّه يهّد الجبال .. ولكن أرجوك يا أبي ألاّ تحرمني من شرف الدفاع عن هذه الأرض , لا تحرمني من أن أحوّل دمي قطرة من الدواء الذي تشربهُ هذه الأرض لتتعافى من السرطان الذي يجثم على قلبها .. دعني أقوم بواجبي ..

إن الله هيأ لنا فرصة لنقوم بعملية جديرة بالتضحية , وأنت تعرف كم تحتاج هذه الأرض من التضحيات , إن شرف القدس يا أبي يُنتهك يوماً بعد يوم , ووقوفنا هنا نتفرّج كل منا يعتمد أن يقوم الآخر بكل الواجب يجعل الصهاينة يتمادون , وتفتح شهيتهم أكثر للدماء ..

الحاج شكري : لكن يا ولدي . هل تعتقد أن عملية كالتي

ستقومون بها ستجعل الصهاينة يرحلون .. أنت واهم يا ولدي ..

سلمان : أكون حقاً واهماً لو قلت لك ذلك ..

ولكن هل يعني هذا أن نرضخ لهم , ليفعلوا بنا ما يشاؤن ؟ يهجّرونا .. يرحلونا .. مرة بعد مرة ؟ لا .. إن واجبنا اليوم أن لا ندع لهم الفرصة لذلك .. أن نثبت لهم أن هذه الأرض لها أبناؤها الذين يدافعون عنها , واجبنا ان لاندعهم يرتاحون ويأمنون .. لأنهم أول ما يشعروا بالراحة سيبدأون بالتنكيل بنا .. لا , علينا أن نجعل إسرائيل تتلفت دائماً وراء ظهرها وبذلك , فحتى لو لم نستطع نحن أن نطردهم فإن هذا سيتيح للأجيال القادمة أن تجد وسائل أنجع لطردهم من هذه الأرض ..

محمد : يا عم .. يجب علينا أن نعمل .. كلنا ..

وما النصر إلا من عند الله ..

الحاج شكري : صعب علي أن أبارك لكم يا أولادي ..

ولكن كلمة الحق تُقال .. أشهد أنكِ حيّة يا فلسطين بل وتنبضين بالحياة .. أشهد أن عروقكِ تنضح دماً ولا تجفّ إلا على ترابك , إتكل على الله يا ولدي , قلبي معك , أما أنا فأمري لله ..

شاكر : ( لسلمان ) إذن .. لا داعي لأن نؤجل

العمل .. ؟

سلمان : الآن .. فربما يأتون في الصباح ..

( إظلام )




المشهد السابع :

( تفتح الإضاءة تدريجياً .. المكان مزحوم باليهود .. شاحاك وزميليه .. وآخرون )

المدير : ( يقف في وسط المسرح يتأمل المبنى حاملاً

هاتفه النقّال ويتحدث بينما شاحاك يقف على يمينه وهو يحمل خارطة ) ومتى سيصل عمّال التنقيب ؟ أريدهم بأقصى سرعة .. يعتقد العلماء هنا أنّهم قد يجدون آثاراً تدل على وجود اليهود في القدس قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة , والبروفسور بنعامي يؤكد أن هذا البيت كان معبداً يهودياً إلتجأ إليه الناس أيام السبي البابلي , قد نجد بعض الآثار المهمة , المهم أن نبدأ عمليات التنقيب بأقصى سرعة , إلى اللقاء ( يغلق الهاتف , يتأمل شاحاك ) ها .. ماذا وجدتم ؟

شاحاك : لم نبدأ بعد .. فعلماء الخرائط لم يصلوا

بعد , والبروفيسور بنعامي يقول أن علينا أن ننتظر ولا نحرّك شيئاً قبل وصوله ..

المدير : معهُ حق .. إنتظروا حتى وصوله ( يأخذه

جانباً ) ماذا فعلت بخصوص التعويض ؟

شاحاك : حقك محفوظ .. لو رأيت يا سيدي كيف

خرج الحاج شكري من هنا .. كان يبكي وولدهُ سلمان يزمجر من وراءه .. ( يضحك )

المدير : مجانين .. أيظنون أننا سنسمح لهم بالعيش

معنا ؟ لابد أن يهجّر كل من هو ليس بصهيوني عن تراب إسرائيل .

شاحاك : أجل سيدي .. ( يدخل أحد الموظفين

ويقترب من المدير )

الموظف : لقد وصل عمّال التنقيب ..

المدير : دعهم يدخلون هنا .. ولا تسمح لهم

بالعمل حتى يصل البروفيسير ..

الموظف : حاضر سيدي ( يخرج )

شاحاك : أتريد أن أحوّل المبلغ على حسابك في

البنك أم أنك تريد المبلغ كاش كالمعتاد يا سيدي ؟

المدير : لا حوّلهُ على حسابي .. ولكن أحضر لي

عشرة آلاف كاش ..

شاحاك : حسناً

المدير : هل رحل الحاج شكري لغزّة ؟

شاحاك : لا .. بل إلتجأ لبيت أحد أصدقائهُ هنا

على حدود القدس ..

المدير : ( مندهشاً ) ماذا .. لماذا ؟

شاحاك : يبدو أنهُ فقد عقله .. يقول انه لا يستطيع

العيش خارج القدس .. يبدو أن موت اولاده وزوجته .. أثّر عليه ..

المدير : لكنه في بادئ الأمر كان ينوي الرحيل

لغزّة .. !

شاحاك : لقد غيّر رأيه ..

المدير : ولماذا ؟

شاحاك : لا أدري .. قلـت لك .. ربمـا فقدهُ

لولده .. أجنه ..

المدير : أشمّ رائحة غريبة في هذه القصة

شاحاك : لا غريبة ولا شيء . هؤلاء الفلسطينيين ..

ألا ترى كيف يرضون أن يعيشوا في خيام على حدود القدس فقط ليروا الأقصى .. وقبّة الصخرة ..

المدير : قريباً .. لن يستطيعوا أن يروه .. سندّمرهُ

لهم .. لنقيم هيكلنا عليه ..

شاحاك : نعم يا سيدي .. ( ينهمك كل منهما في

عمله في حين يأتي زميلي شاحاك ويقتربان منه )

الأول : إسمع يا شاحاك . إسمع ما يقولهُ عزرا ..

الثاني : هناك صيد آخر .. ولكن بطريقة ثانية ..

شاحاك : ماذا تقصد ..

الثاني : هناك فلسطيني ..

شاحاك : ( يقاطعه ) دع الموضوع الآن , نسمع

الأمر ونتفق في البيت , ليس هذا وقتها .. تعالا عند الساعة الثالثة .. ( ينظر للمدير , فيفهمان انه لا يريده أن يسمع , يبتسم الجميع ويبتعدان عنه ) .

( يدخل شخص يلبس النظارات , سمين , في العقد السادس من عمره يقف ليتأمّل )

شاحاك : ( يلتفـت إلـيه ) أهلاً .. أهلاً ..

بروفيسور ..

المدير : ( يلتفت هو الآخر ) أهلاً بروفيسير بنعامي

شاحاك : ( للجميع ) فليستعد الجميع .. لقد وصل

البروفيسور .. سنبدا العمل في غضون دقائق ..

البروفيسير : لا .. لا .. أولاً سألقي نظرة فاحصة

على البيت ..

المدير : تفضّل ..

شاحاك : فليستعد الجميع .. هل كل شيء على ما

يرام .. إفحصوا اجهزتكم , فالبروفيسور مشغول ولا نريد أن نؤخره في العمل , هيّا تفضل يا بروفيسور ( صوت إنفجار قوي , الإضاءة الحمراء تشي بالدم , الجثث اليهودية تتطاير , تتساقط على الأرض , صراخ .. عويل , أصوات سيارات إسعاف , بكاء , عدو لكل الإتجاهات .. )

الحاج شكري : ( صوته فقط ) هذا البيت بيت فلسطيني ,

ورثته عن أبي , الذي ورثهُ عن جدّه .. لن تجدوا تحته أيّة آثار يهودية , ولكن ستجدون آثار تدل علينا .. أكواب الماء التي شرب منها أجدادي , أواني الطعام التي طهت فيها جدّاتنا .. وربما تجدون المشط العاجي الذي كانت جدتي الآرامية تسّرح به شعرها , أو رفشاً مؤابياً كان أجدادي يعملون به في الحقل ..

ولكن لن تجدوا معبدكم هنا ..

هنا تحت هذا البيت لن تجدوا إلا أصابع فلسطينية تتهمكم .. وفوقهُ لن تجدوا إلا أجساداً فلسطينيةً تعبئ نفسها بالبارود لتنفجر بكم ...

( تتواصل صيحات البكاء وسيارات الإسعاف )


ليست هناك تعليقات: