المخرج بين الأنا والآخر

بين أناه التي يحاول أن يعبّر عنها وأن يُظهرها ويبرزها كأي مبدع آخر، وبين تباين واختلاف وتصادم قد يعترض هذه الأنا مع أفكار مشاركين آخرين في العمل المسرحي.. بين تمظهر كلّي لروح المخرج في العمل المسرحي، وبين اختفاء الذات ضمن ثقافة مكررة أو مستنسخة عنها، ثمة سؤال مهم يعرض على المخرج المسرحي لدى تصديه لإخراج أي عمل مسرحي.
منذ اللحظة التي يمسك فيها بالنص المسرحي، ويدور في ذهنه التصوّر البصري الذي قد ينتج عن هذا (الورق)، إن كان من حق المخرج أن يتمرّد على الورق، وأن يرفض الوصاية التي يفرضها عليه، فهل من حق طاقم العمل أن يتمرّد هو الآخر على رؤية المخرج، هل المخرج في العرض المسرحي هو تمثّل للسلطة أم تمرّد عليها، وهل السلطة الممنوحة للمخرج هي (هبة إلهية) أم أنها تعبير عن الحاجة الإنسانية للحاكم والمصرّف.
وهل فيما إذا صار المخرج ديموقراطياً يمكن أن يعدّ العمل معبّراً عن رؤاه وأفكاره، وإذا لم يكن فهل يمكن أن يُعتبر طاقم العمل المشارك في العرض المسرحي أدوات يصرّفها المخرج كيفما أراد؟؟
هذه الأسئلة قد تكون إجاباتها غامضة وغير محدّدة وتعتمد اعتماداً كلياً على رؤية كل مخرج على حدة، ولا يمكن أبداً التسليم بأي من أجوبتها على أنها أجوبة شافية ونهائية، وقد تكون دلالات طرحها مفتوحة ولا نهائية، غير أنها تفضي بنا إلى سؤال أكثر عمقاً يتناول الحياة في حدّ ذاتِها، وكأن الإشتغال بالعمل المسرحي هو في حقيقته تمثيل للحياة أيضاً بشكل من الأشكال، وسؤال المسرح (الصغير) نسبياً إذا ما قورن بسؤال الحياة، يصبح نموذجاً أيضاً لسؤال الحياة، وهنا ندخل ضمن أكثر من إطار وأكثر من دائرة.
يقول أدونيس: (لن تعرفَ حريةً.. مادامت الدولةُ موجودةً)، وقد يسأل الممثل أو السينوغرافي المبدع، (هل نعرفَ حريةً، مادام المخرج موجوداً)، إنه ليس احتجاج على وجود المخرج، بقدر ما هو شرط تعايش وتوفيق في الرؤى بين المخرج وبين الآخرين ممن يشاركونه عملية بناء العرض المسرحي، أراد ذلك أم لم يرد.

ليست هناك تعليقات: