By: Pnina Evental |
يأتي المثقف الراهن في البحرين من بيئات منغلقة، يعاني الفرد فيها من غياب قنوات التواصل بينه وبين الجنس الآخر بالتحديد، وبالنسبة له فإن المرأة هي كائن مفترض، لم تتح له فرصة معرفتها عن قرب، لم تتح له فرصة التعرف إليها كإنسان، بل غالباً ما هي (المحرّم) المجهول، والمثقف الذي ما يزال يحمل في داخله هذه الرغبة الملحة بالتعرّف إلى المرأة، الرغبة الملحة في إقامة علاقة (أياً كان نوعها) بامرأة، يأتي إلى عالم الثقافة فيفاجأ بمن يطالبه بالتحرر ويلحّ عليه بأن يفكر لا عبر القيم (الدينية) التي تربّى عليها، بل عبر قيم جديدة يجهلها، قيم تقول بأن على الرجل والمرأة أن يتعرفا ببعضهما على أساس أنهما كائنان بشريان، قيم تحاول أن تجعل هذا المثقف (ذي الخلفية المنغلقة) كائناً مهذباً ومتحضراً، يحاور المرأة بدل أن يخجل منها، ويناقشها عوض أن يشتهيها فقط، وربما استطاعت قيم الحداثة أن تأخذ مكانها في مثقفي جيل السبعينات، ليس تماماً بالتأكيد ولكنها استطاعت أن تأخذ مكان مناسب لها، غير أنها فشلت لدى الأجيال التالية، نتيجة لظرف مهم وهو أن المثقف السبعيني كان قادماً من بيئات أقل تشدداً، بالرغم من أنها بيئات أكثر جهلاً، فنحن نعلم أن المجتمع البحريني كان أقل انغلاقاً قبل قيام الثورة الإسلامية في إيران، بينما مثقف الجيل الحالي يأتي من خلفيات منغلقة أكثر، لأنها (متدينة) أكثر، وبالتالي فإن مثقف جيل السبعينات يأتي ولديه خبرة مسبقة في التعامل مع المرأة، لأن بيئته وقتها لم تكن تفرض الرقابة والعزل الذي فرض على العلاقة بين الذكور والإناث فيما بعد الثورة الإيرانية.
إذاً فعلى المثقف في جيل التسعينات والألفينات أن يصحح طبيعة علاقته بالمرأة التي شرخها تشدّد المجتمع بعد الثورة الإيرانية، قبل أن يأخذ بأسباب وقيم الحداثة لدى بيئة المثقفين، غير أن هذا لا يحدث، فالمثقف يخرج من بيئة منغلقة تماماً ليدخل في بيئة منفتحة تماماً، من بيئة ترفض أغلب أشكال العلاقات بين المرأة والرجل ضمن مفاهيمها، إلى بيئة تقبل أغلب أشكال العلاقات بين الرجل والمرأة ضمن مفاهيمها، دون تأسيس نفسي واجتماعي له ولشخصيته، عندئذٍ لابد أن يحدث الشرخ الأكبر في شخصية هذا المثقف، وأياً يكن شكل هذا الشرخ فإنه لا بد أن يسبب خللاً كبيراً في طبيعة العلاقة بينه وبين المرأة.
ويتلبس هذا الشرخ غالباً شكل الذئبية، إذ يحاول المثقف الإنتقام من شخصيته الدينية السابقة (المنغلقة) عبر رفض أي قيم تقترب من القيم الدينية، فيرفض حتى قيم الحداثة التي ينتمي لها، إنه (متحرر) كما يقول من أي قيم، وهنا تظهر الشخصية الذئبية في أجلى صورها لدى العلاقة بالمرأة، وإن كانت الذئبية هنا لا تتجلى في هذا المظهر وحسب، ولكن في طبيعة العلاقة بالمرأة يبدو واضحاً أنه ينظر للمرأة كفريسة محتملة، ولذلك فهو يستخدم كافة مهارات الخداع من أجل الإيقاع بهذه الفريسة، وأيضاً إبراز كافة مبررات هذا النمط من العيش، بل ومحاولة التنظير لمثل هذه التصرفات على أنها (قيم) جديدة، وبالتأكيد من أجل ذلك يستعين بمقولات مجتزأة ومبتسرة من مفكرين غربيين، أو بالنيل من المؤسسة الدينية التي خرج منها، ليربط كل قيمة (شرف) بالدين، ثم يصوّر رجال الدين على أنهم منتهكوا هذه القيم، مبرراً لنفسه أن ينتهك هذه القيم مادام رجال الدين أول من يفعل ذلك.
تتجلى أيضاً صور الذئبية في العلاقة بالإيمان أو المبدأ، إنه شخص يحاول أن يرفض الانتماء لأي مبدأ، لأنه (متحرر!!) ولذلك فهو غير منتمي إلا (لإنسانيته الوحشية) وغريب هذا المصطلح إلا أنه تقريباً التوصيف الأقرب لمثل هذه الشخصيات التي تعطي تصرفاتها صفة الإنسانية، ولكنها ترجعها دائماً للإنسان الأول، أي ربما إنسان الغاب، فهي تنظر للمسألة وكأنها إعادة الإنسان لطبيعته أو إعادة الإعتبار للطبيعة الأولى للإنسان!! في تبرير لا يمكن التسليم به ولا يمكن قبوله لشدّة ما هو مرتبط وسطحي وغير قابل لأن يكون صادراً عن شخصية مثقفة. ذلك أن الوعي الإنساني لا يقود الإنسان نحو (الخداع) و(الوحشية).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق