لم أولد محض مصادفة، كنتُ عملاً مخططاً لهُ بدهاء.. القمر الأبيض لفّ على الكرة الأرضية كمجنون ، والأرض الكرة هرولت بي نحو الشمس كهدفٍ محقق.. أبي باعَ أرضاً من شوك ليجنيني، وأمي خافت من جنية عجوز فأجهضت بي. كنتُ عملاً لا يحتمل الخطأ، فراغاً لا يمكن أن يملأ، وسواداً يخطّ بإصبعه على جدران يومٍ من آب.
لم يتركوا جميعهم لي الفرصة لأتردد. حينما وقعتُ على الأرض إثر حادث اصطدام شهق الإسفلت برعب.. وتلقف لفافة القماش التي كانت أنا. لم يكن ممكناً أبداً أن ينتهي هذا العمل المتقن بخطأ ساذج كهذا.. ولم أمت يومها.
الجميع تعب لأكون ما أنا عليه، الله الكسول.. أجهد نفسه كثيراً معي، كان يقترب مني ويبتعد، يلمسني ويهرب، يضحك في وجهي ويبكي.. لأكون أنا أنا.. وهو بالنسبة لي هو. والشيطان أيضاً أهمل علاقته السلبية مع الله.. ووقعا معاً معاهدة تعاون تنصّ على أن يتفقا بخصوصي حتى لو اختلفا في أي أمرٍ آخر ، فكان يحملُ لي أصدقاء سوءٍ كثيرين يدربونني على العصيان.
أودع الله شهوة العالم فيّ، وسرق مني رغبة الحياة، وبهذا كان عمل الشيطان أسهل.. وتعاملي معه أصعب
لا أستطيع أن أنكر فضل أحد فيما وصلت إليه، المآتم التي دربتني جيداً على البكاء، أغاني أم كلثوم التي صفعتني كثيراً وعاقبتني بإبقائي وحيداً في البيت، إخوتي الذين اختلفوا كثيراً ليزرعوا هذا الإرتباك في قلبي، صدام حسين الذي علمني بصبر كيف أضع الشريط اللاصق على نوافذ كثيرة في حياتي.. وفي جسدي. أنا تحفة حقيقية.. لا يمكن أبداً أن تخطأها عين.
غير أني مللت هذا الإتقان.. لو يحدث لي خطأٌ واحد، خطأ واحد فقط.. يقذف بكل هذا الذي أنا عليه في هوة الصدفة يمحوني كما تمحى كتابة ساخرة عن زجاجٍ متسخ، خطأ واحد فقط.. عفويّ ولا معقول.. لكنه أيضاً الصواب الوحيد الذي يمكن أن يصحح كل ما أنا عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق