قراءة من الشاعر كريم رضي

في برنامج مسامرات ثقافية... الشاعر كريم رضي:
أثبت مهدي سلمان في تجربته الأخيرة أنه من أهم شعراء هذا الجيل


الوسط – حبيب حيدر:



كريم رضي

أكد الشاعر كريم رضي خلال قراءته لتجربة الشاعر مهدي سلمان في ديوان "السماء تنظف منديلها البرتقالي" أن الأخير عبر هذه التجربة يعد أهم الشعراء بالنسبة لمجايليه، مشيرا إلى أن هذه التجربة الجديدة تعد فارقا بالنسبة لتجاربه السابقة، راصدا تعدد الأصوات الشعرية في التجربة مرجعا ذلك للنفس المسرحي كون سلمان ممثلا مسرحيا تجتمع لديه الموهبتين بما يماهي بين حضور تقنيات المسرح بتعدد أصواته وبين التقنيات الشعرية، وفي الوقت الذي أشاد فيه بثراء التجربة الذاتية للشاعر وكونها ناتجة عن قراءة عميقة وثقافة خاصة، أكد على ضرورة أن يخرج سلمان عن معتكفه الثقافي وذاتيته الشعرية إلى رتم الحياة اليومية.

جاء ذلك في برنامج مسامرات ثقافية، على هامش توقيع الشاعر مهدي سلمان مجموعته الشعرية الجديدة (السماء تنظف منديلها البرتقالي) وذلك على صالة مركز عبد الرحمن كانو، إذ قدم الشاعر كريم رضي ورقة نقدية تحدث فيها عن تجربة الشاعر مهدي سلمان.

• خلال توقيع الشاعر مهدي سلمان ديوانه الجديد السماء تنظف منديلها البرتقالي، أشرت إلى أن هذه التجربة تمثل فارقاً بالنسبة إلى تجاربه السابقة؟

- طبعاً أود أن أؤكد على أن مهدي سلمان من خلال هذه التجربة أثبت أنه من أهم شعراء جيله، وهم المجموعة التي اصطلح عليها أنها جاءت بعد شعراء الحسينيات، وهي المجموعة التي يمكن أن نصطلح عليها مجموعة الألفينات، أعتقد أن مهدي سلمان من خلال هذه التجربة أثبت أنه من أهم شعراء هذا الجيل، لأن هذا الجيل كله تقريباً مطبوع بكتابة التفعيلة, في هذا الجيل أيضاً ملامح الابتعاد عن الشأن العام والدخول في الشأن الذاتي أكثر فأكثر، وأنا أعتقد أن هذين الملمحين المهمين موجودان في تجربة مهدي سلمان، وهما ملمح الجيل بأكمله، هو جيل يشتغل على تجربته الحياتية والذاتية وموقفه تجاه الحياة وتجاه الكون وتجاه التاريخ وتجاه الآخر.
الشيء المختلف في هذه التجربة أن مهدي سلمان يعلن اختلافه عن تجربته الماضية، واختلافه عن تجارب زملائه، لأن مهدي سلمان في هذا الديوان يصرح بموقف الأنثى منه وموقفه من الأنثى في نصوص متبادلة، قد تكاد تكون هناك نصوص بالكامل نسمع فيها صوت الأنثى وهي تتحدث عن تأملها لهذا الكائن ثم الكائن نفسه في نصوص أخرى وهو يتحدث عنها، وفي نصوص طبعاً تجمع الحوارين الاثنين مع بعضهما البعض.
ما أريد قوله هو أن ديوان مهدي يستخدم تقنيات الحوار استخداماً كبيراً، وأعتقد أنذلك ربما يكون بتأثيرات العمل المسرحي، لأن مهدي سلمان فنان مسرحي، لذلك وجدت في هذا الديوان استخداماً لهذا البعد المسرحي في التجربة الشعرية، بحيث إننا نجد أنفسنا أمام نصوص حوارية تتحدث فيها الأنثى عنه ويتحدث هو عنها، طبعاً فيما عدا النص الأخير في الديوان والذي خصصه مهدي سلمان لقصائد قصيرة، وأنا أعتقد أن هذا النص بإمكانه أن يشكل ديواناً قصيراً، منعزلاً عن مجمل الكتاب الحالي.

• انتهيت من النظر في بنية قصائد المجموعة الشعرية الجديدة، وربطتها بدواوين سابقة، مثل "السكك البصارة"، كيف رأيت هذه البنية وهي تتشكل في هذا الديوان الجديد؟

- كما ذكرت، إن اختلاف ديوان "السماء تنظف منديلها البرتقالي" عن "السكك البصارة" تحديداً، لأني لا أتذكر ديوان "ها هنا جمرة وطن أرخبيل"، إذ أن اختلافه عن ديوان "السكك البصارة"، لأن هذا الديوان فيه نبرة حوارية بشكل أكبر، يمكن أن ديوان "السكك البصارة" كُتب بطريقة النص الروائي، وفيه الراوي العليم الذي يتكلم باسم الأشياء كلها جميعاً، ولكننا في الديوان الأخير "السماء تنظف منديلها البرتقالي" نستمع إلى صوت الكائنات أنفسها، وتحديداً الديوان بأكمله يكاد يكون حواراً بين رجل وامرأة، أو قد يكون بهذه الطريقة. فنحن نستمع إلى كل كائن من هذين الكائنين يتحدث بذاته.

• ربطت الديوان الأخير بالاشتغال المسرحي لمهدي سلمان، بالتحديد بين التقنية المسرحية والتقنية الشعرية وتلاقيهما في شخصية مهدي سلمان، كيف وجدت هذا الاشتراك بين هذين العالمين عند الشاعر مهدي سلمان؟

- لا ننسى أن مهدي سلمان مسرحي، هو تحديداً ممثل مسرحي، فدعني أقول إنه في هذا النص نجد تقنيات هذا التمثيل، تقنيات الأداء المسرحي، التمثيل، الحواري خاصة، كأننا نستمتع إلى شخصين يتأمل كل منهما الآخر ويقول، وجود أكثر من صوت في النص نفسه، وهذا – ربما – أهم ما يدلنا على وجود هذا النوع من التقنية المسرحية، بينما نحن وجدنا في نصوص مهدي السابقة صوت الشاعر نفسه وهو يعبّر عن تأملات في الكون أو في الحياة، ولكنه في هذا النص كما ذكرت يعطي مساحة أكبر لتأمل الآخر له ثم تأمله هو للآخر، وهذا يأتي أحياناً في نصوص بالكامل مخصصة لشخصية معينة، لشخص معين.

• رأيت أن التجربة الأخيرة لمهدي سلمان تعبّر عن سيرة العشق والحب، كيف قرأت هذه الرؤية؛ هل يقدم الشاعر رؤية جديدة في العشق أو الحب؟

- هذا جدل قديم في جميع النصوص الشعرية العربية، وهو جدل كائن نفسه أيضاً، إنما هو يتجلى أكثر في الشعر، في أيهما أهم بالنسبة للعاشق؛ حبّ ذهب وبقيت منه ذكرى جميلة، مثلما يصفه إمبرتو إيكو في إحدى رواياته، والذي يقول أن يسقمك حبّ مستحيل فهذا أجمل الأشياء! أم أن الحب الحاصل بين أيدينا، الحب الموجود في هذا الجسد الذي نتمرغ في مفاتنه وننعم بجناته، أيهما أهم؟!
هذا بالطبع حوار قديم جداً، ونحن كنا نسمع نتعلم حين كنا طلاباً عن الحب العذري والحب الصريح، وأعتقد أن بعض نصوص هذا الديوان نجد فيها هذه الجدلية، بالتحديد في بعض النصوص التي تسأله فيها بأنك لست معنياً بما أمامك من جسد، ولست معنياً بما أمامك من مفاتن، وإنما أنت تفكر في حب آخر، أو في حب بقيت منه ذكرى، وفي نص يمكن أكثر دلالة هذه الحيرة يتساءل، والنص اسمه "حيرة"، في مقطعه يتساءل:
لو وضعت أمامك
قلبين
كنت ستختار أيهما؟
فأنا وجدت أن هذه الجدلية متمثلة في هذا الديوان ربما أكثر من غيره من الدواوين.

• في نهاية هذا اللقاء؛ كيف تجد اللغة التي استخدمها مهدي سلمان فثمة لغة شفافة، تتميز بالمنحى الحسي والهدوء، كيف وجدت هذه اللغة ومهدي سلمان يتمثلها أيضاً صوتياً حينما كان يلقي قصائده؟

- أهم شيء في ترجمة مهدي سلمان أنا أعتقد وهذا الذي يرفد تجربته، هو أن مهدي سلمان متعدد الاهتمامات، وبالتالي هذه تصنع من تجربته شيئاً، فمهدي سلمان صحافي، مسرحي، مثقف .. قارئ ، والقراءة مهمة، أعتقد أن وراء هذا الديوان قراءات صنعت هذا الديوان.
هناك ملاحظة فقط، أنا أحب أن أشير إليها في تجربة مهدي، وهي أني أعتقد أنه بحاجة إلى أن يخوض أكثر فأكثر في رتم الحياة الحقيقية، كثير من صور النص تجدها حشد كبير من الصور ربما أكثر مما يحتمله النص، لأن النص هو مكوّن من الصورة والفكرة، من الصورة المجردة أو من التجريد ومن التجسيد أيضاً.
أنا أشعر أن بإمكان نص مهدي سلمان أن يكون أكثر انغماساً في تفاصيل الأشياء، أحياناً في بعض نصوص مهدي تجد أن بإمكانك أن تستمر فيها دون توقف، بسبب البناء الصوري المتلاحق، صورة مركبة على صورة على صورة على صورة، وحوارات.
ونتمنى أن نرى الجديد من مهدي سلمان ومن غيره من المجايلين.


الوسط 15 يوليو 2010م

ليست هناك تعليقات: