ولم يتوقف عواء الذئاب




أفقت من نومي اليوم، وبي حنينٌ لشهقتي الأولى، بي حنينٌ لتحريك الأصابع الثقيل أول الخلق، رعشةٌ باردةٌ سرت في عروقي، كما لو أن دماً متخثراً بدأ يسيل فيها.
أفقت من نومي، وأخذتُ نَفَسَاً عميقاً يصل إلى أقصى الرأس، حتى دمعت عيناي، ثم قليلاً قليلاً بدأ يتردد الزفير خارجي، وأنا أحملق في تجاويف الكهف الصلبة فوقي.
استمعت لعواء الذئاب البعيد كما لو كانت آلهة الوحي، أعادني الصوت للأسماء الأولى، للامتحان الأول، للتفاحة الفخ، للعورة البكر، لطمأنينة الكائن الوحيد، لوحشته، لاحتراسه، ظللت مستلقياً أستمع بصبر لنشيد الذئاب العنيف والأزلي، لا أفكر في شيء، سوى هذا العمق الضيق الذي أنا فيه.
كما لو أني كنت أنتظر اندفاع الدم في جسدي، ظللت واجماً، ثم نهضت فجأة، وانتابتني رغبة ملحّة في البكاء، أنا الكائن الذي لم يبكِ في أول خلقه، الذي لم يقبض بكفيه على الوهم، الذي لم يتشبث بنهد ليشعر بثقة الحياة، أبكي بحرقة الفاقد ما لا يُستعاد، ما لا يتحصل.
لم يعلُ نشيجي، ظللت واقفاً أمام الغابة العظيمة، والريح تهزّ أوراق الأشجار برتابة فجة، مصدرة حفيفاً بطيئاً كسريان أفعى داخل الأذنين، فيما يقطر ماء الندى الرطب على وجنتي الباردتين.
أطلتُ الوقوف، ثم عاودت إلى كهفي، وتقرفصت جانباً.. وأنا أتمتم كالممسوس: آدم، آدم، آدم.. ولم يتوقف عواء الذئاب، ولا حفيف الشجر، لكني توقفت عن البكاء، ولمست نهد الكون الصخري، وكان حليب الكلس مالحاً.