كالضباب الكثيف على الماء





1
أنحتُ أخطائي
خطأً خطأً فوق صليبي
حتى حين أُعلَّق فيه
أراها واضحةً، وأقول:
نعم،
جرّبتُ العيشَ
على حافةِ هذا العالم
قد جرّبتُ العيشَ،
ولم أنجحْ إلّا في صُنعِ الأخطاءِ
وهاهي تَحملني لِصوابي الأول
تحملني لخلودِ العدمِ الواثقِ من صحّتِهِ
لفراغِ العصمةِ
لسكونِ الظلمةِ، أو صمتِ الضوءِ.
2
ودّعَ الذاهبين، تمهّلَ عندَ الممرِّ
التَفَت.
شعّ في وجهِهِ الضوءُ،
أو شعّ في رأسهِ قمرُ الذكرياتِ
وأومأ لي، وسَكَت.
طنّ من حولِنا الخوفُ
حكّ بإصبعهِ حاجبَ الوقتِ
عدّلَ وقفتَه، وتنحنحَ
عدّلتُ من جلستي وتنحنحتُ
همّ، استدارَ
نهضتُ
مضى
وتتبعتهُ
غابَ في عتمةٍ
غبتُ فيه
التقينا أمامَ جدارِ الصدى
هزّني الصوتُ
أسماءُ قتلى، حكاياتُهم، ضحكاتٌ، نحيبٌ، ضجيجُ شوارعَ مهجورةٍ، عرباتٌ، نهيقٌ، نقيقٌ، لهاثٌ، رنينُ هواتفَ، زنةُ نحلٍ، هواءٌ تكسرّ ما بين رمشةِ عينٍ وعينٍ،.. وضعتُ يديّ على أذنيَّ.
«أصِخ..» قال لي
فرفعتُ يديّ وأصغيتُ
ضاعَ الصدى، وتلاشى مع الصوتِ
حلّقَ من حولِنا طائرٌ يشبهُ الضوءَ
أرخى جناحيهِ فوقَ الجدارِ، تهدّم
فانبجست عتمةٌ خلفهُ،
ومضى
وتتبعتهُ
هابطاً كالضبابِ الكثيفِ على الماءِ
حاصرنا الماءُ
لكننا ما ابتللنا به، قلتُ: كيفَ؟
فأومأ لي، وصمتُّ
تنفسَ مُستغرقاً وهو يطمس. خفتُ، تراجعتُ
أو ربما كنت أحسبُ أني تراجعتُ
لكنني أتقدمُ،
يبتلعُ الماءُ رأسي
تنفستُ في الماءِ؛ لم أغرق
ابتسمَ
ارتعدَتْ خطوتي
لكنني أتقدمُ، خاضَ بيَ الماءُ
للضفةِ الثانية
فرأيتُ بيوتاً من القشّ
دونَ نوافذَ، أبوابُها من حريق، ولا تحترق
لم أصِح؛ مطمئناً تقدمتُ
لكنه حينها، مدّ لي كفَهُ واستدارَ
وودّعني
واستفقتُ، رأيتُ الرطوبةَ تنخرُ في الضوءِ
والظلِ، والوهمِ، والصمتِ،
تنخرني.. والجدار.
3
ومددتُ يدي، لم ترفعني ريحٌ، لم تأخذها جهةٌ، لم تصل الأطرافُ إلى الأطرافِ، وحين صرختُ تعالى فيّ صداي، وأوقعني في بئريَ أكثر.
مددتُ يديّ، ولم أقبض بهما إلا الصخرَ، وإلا بعضَ صعيدِ الحلمِ الواهنِ، تحثوهُ الذاكرةُ على وجهي إذ يتهاوى منحدراً دونَ قرار.
4
عودُ ثقابٍ يلمع ضوءه
في وجهِ الماضي،
ثم سريعاً ينطفئُ
ولا يبقى إلا رائحة الكبريت.
5
لا شيء يوجعني
سوى رغبتي في الرحيل


النص في مجلة رسائل الشعر

ليست هناك تعليقات: