برغم أن نص العرض المسرحي هو نصٌّ يحتاجُ إلى إعمال شديد لآليات التأويل, وبداهة أشدّ في استعمال هذه الآليات , حيث ينحصر المتلقي مع الباث في لعبة زمنية هي فترة العرض المسرحي , وعلى الثاني أن يحشد دلالاته خلال هذه الفترة فيما يبقى على الأول أن يحاول قراءة الحدث , والحركة , والصمت , واستنباط دلالة كل هذا ليس في فترة العرض المسرحي وحسب , بل وتجزيء هذا العرض خلال كل حدث بعينه , ثم الخروج بالصورة الكلية بعد انتهاء العرض المسرحي .
إلا أن عملاً كهذا يتطلّب تقنية عالية في التلقّي , وفرز شديد التنبّه بين لحظة العرض المسرحي , ولحظات التذّكر التي قد تليه , والتي قد يشوبها خبرات أسبق من لحظة العرض المسرحي , ربما تمتزج بشكل خفي وغير ظاهر في الذاكرة البشرية , قد تؤثر على نوعية التلقّي , وعلى القرارات التي يتخذها المتلقّي بالنسبة للعرض فيما بعد .
عملٌ صعب كهذا , قد يجذب الكثير من القراءات التأويلية للعروض المسرحية نحو المبالغة في التأويل , وإعطاء قيم أكبر من حجمها الطبيعي لمحفزات الدلالات المسرحية , دون إيجاد الدلائل أو الإشارات التي توحي أو تربط بين أجزاء القراءة التأويلية .
وربما لأن هذه الدلائل ليست من صميم نصّ العرض , بقدر ما هي اختلاقات أفرزتها عملية التذكّر الإعتباطي , وغير المرتكز .
لذلك فقد تخرج علينا بين الحين والآخر قراءات لعرضٍ مسرحي تفتقد حِسّ التأويل الحقيقي , وتعتمد على تأويل مبالغ فيه , نظراً لأن متلقّي نص العرض المسرحي لم يتنبّه لأهمية التنظيم الذاتي للذاكرة خلال العرض المسرحي وبعده , وأهمية حجز المعلومات والخبرات السابقة عن التدخّل لا في تأويل نص العرض بل في العرض نفسه .
إذ أن أي قراءة لعمل ما لا بد أن تستدعي تلك الخبرات والمعلومات , ولكن القراءة المثالية هي التي تنظّم هذا السيل من المعلومات في أنساق معينة , لا يتدخّل أيٍّ منها في الآخر إلا بالقدر الذي يجعل من قراءة العمل موضوعياً , ومشفوعاً بالدلائل والقرائن المستنبطة من نص العرض المسرحي ذاته , لا من مخيال المتلقّي والتراكم الخبراتي السابق لديه .
هي حقاً عملية صعبة , وتتطلب من القارئ المسرحي , أن يستحضر نفسه لمشاهدة العرض, وأن يستحضر كافة آلياته الفكرية والتأويلية , من أجل مشاهدة عرض مسرحي خلال مدة زمنية محددة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق