الجسد

أولاً :

هناك ملامسات

ماتزال تشتعل فيه

( يفتح المشهد على جسد مطعون ممزق الثياب يبدو من ملامحه أنه جسد أنثى , إمرأة في الأربعين من العمر , وتوحي بقايا الثياب الممزقة على أن الجثة هي جثة سيدة ثرية .

تمر دقائق عدّة على الجسد المطروح فوق المنصّة بطريقة مستقيمة في منطقة مجهولة الملامح , ففي حين أن بعض جوانب المسرح يشكّل مكاناً جبلياً يُنحت الصخر فيه على شكل صورة تجريدية , فعلى الجهة المقابلة هناكَ غموض يلفّ الديكور الذي يتمازج فيه صورة لبناء تقليدي مُصاغ بصورة مُبهمة أو سريالية , وقد يكون من المفيد جعل مكان العرض مكاناً لانمطياً .

بعد عدّة دقائق من تسمّر الجثة على الخشبة , تخرج امرأة في العشرينات من العمر من داخل الجسد الممزق , تنهض بشكل آلي وهي مذهولة . تنظر في ساعتها , ثم تتخذ وضع القرفصاء في الجانب السريالي من المسرح , تتحسس جسدها , تنتفض ناهضة وتتجه نحو بقايا الجسد , تحمل حقيبة ملقاة بجانب الجثّة ثم تعود لتتقرفص في الجانب , تُخرج أدوات المكياج من الحقيبة وبلا مُبالاة تأخذ بالتبرّج ) .

الشابة : ( تتأفف ) مضجر حدّ الجنون , لكأن الريح لا تنفخ في هذا المنزل

سوى الهباء , منقوعُ بالرتابةِ حتى الإختمار .

أيُّ إلهٍ مقتدرٍ يستطيع أن يبسط في عروقهِ رائحةَ الملح , أو ضحكة أرجوحةٍ بنفسجية ..

( تنهض من مكانها بشكل مستقيم تتناثر من حضنها بعض علب المكياج , تتجه نحو كرسي قابع أمام بوّابة البناء التقليدي وتهمّ بتحريكه " الكرسي الهزّاز يتأرجح " تنظر إليه بألفة , ثم تبتسم )

أحياناً تصبح الذاكرة عبء على الجسد وأحياناً كخفّة اللحظة , يحملها كرفّة الورقة الخريفية , ثمّة أيدٍ ثقيلةٍ مرتسمةٍ عليّ لا أستطيع محوها , وأخرى تشاطرني الجسد , أشاطرها الخفّة .

( تمسح يبدها على الكرسي وكأنها تخاطبه )

أبداً لم تغيّر رقصتكَ أيها الصوفي , أيةُ زاويةٍ اخترتَ لتتعبد , وأيّ طريقةٍ تلكَ التي ترتادها وتسمح لكَ بالتعبّد هنا , في هذا المعبد الشيطاني المنتقع بالإثم , والمعتصب بالخطيئة .

مازلتَ منذ عرفتكَ تمارسُ ( الزار ) في اندماجِ العاشق , لا تنسى أبداً رقصكَ .. وربما لا تتذكره , تنتظر يداً ( كأنما تتذكر ) يدانِ مقموعتانِ , وشعرٌ مبتلٌّ بالخوف , عينانِ كمشنقتينِ , وسوادٌ يشلُّ الوقت , ( تلتفت إلى الكرسي ) وأنت لم تغيّر إيقاعكَ , لم ترفّ لكَ رِجل , ظللتَ ترقص ولا عياء يطالك , ترقص وكأن أفاعٍ تحت قدميك , يستملكك التردّد , جيئةً وذهاباً , حضوراً وغياباً ( تجلس على الكرسي وتهز نفسها ) .

أعشاب النسيان ليست أقوى من رفّاتك .. أنت بذاتكَ لا تقوى على النسيان إن أردت , شيء ما يؤوبُ بكَ الى الذاكرة , شيءٌ أخرجني من الغفلة الأبدية إلى بؤرةٍ لا أدري عن غموضِها إلا أنكَ وسطها . هنا .. تهدهد [ الوقت ] الرابض فوقَكَ في حنوّ , وكأنّكَ تريدهُ أن يغفو , أن يضطجع على مسندكَ ويستسلم للنسيان .

( تنهض ) ولكن هيهات .. هو أيضاً لهُ كوابيسه التي تلاحقهُ ويريد أن ينتزعها من أجفانه , لهُ بهقهُ على جلدهِ الشديد الرماديّة , بهقٌ أسودٌ وأبيض , ويريدُ أن يدهنهُ بزخمٍ ليغدو ناصعاً بالرمادِ مكتمل الإبهام ناضجاً كالعقم ...

وها هو .. يستلّني من العدم , شريكهُ في الوثبة ِ , صاحبهُ في الغوايةِ , ليلقيا بي هنا .. في هذه الصورة الفوتوغرافية التي يدعونها المكان .. أو اللامكان أو اللازمان , أقتصّ منك ومنّي .. لهما ولي .

هنا في فوضى الجمود , حيث السعة كالعري لا تُحدّ فأبرز لي أسلحتكَ , الآن هيّء حشود الزيف التي تدّعيها , أهيّء لكَ مُتكئاً على فخذي المشحون بالنجاسة , وغليوناً من خصلِ شعري المنقوعةُ في الأصابع , أفتحُ لكَ أزرار قميصي المندلعةُ بالشكوى , ولتكن حربنا متّسخة لأبعد الحدود , أنا وأنت ...

( تذهب للحقيبة , تتناول علبة سجائر وتشعل سيجارة , تقترب من الكرسي وتجلس على الأرض , تتأمل الكرسي في لحظات توثّب , لحظات من الترقب , وحين تفرغ من سيجارتها تطفئها وتنهض )

( تخاطبه برقّة ) في تلكَ الليلة كنت جافّاً معي .. لم تكن أبداً كما عهدتكَ , وكأنكَ استبدلت النفحة التي تسقنيها حين أركن إليك بنفخةٍ من نار , أيّها الصوفي .. ما الذي حوّلكَ لجلاّد ؟

إحتضنتني بنهم , كنتُ أغفو بين ذراعيكَ ولم تكن أبداً ومضةٌ من خوفٍ ترتسم على وجهي المُتعب , إستأمنتك .. إستأمنتك , واطمأننتُ إليك كثدي , وكعشبةٍ على سفح كان شعري فوق أضلاعِكَ يرتمي , وكم أنستُ إلى زندكَ يحوطني بعد كل مُلامسة .. وكأنّهُ يغسلني , حينَ أشعر بجسدي يختلس الفتنة فتفضحهُ الرغبة , حين أحطُّ على سياج الندم كيمامةٍ مستنفرة , بعد ليلةٍ طويلةٍ من الهروب , وقتها كانت الأحلام مُبكرة تنبش الفرح , وتُعرِّش على جفوني , كنتَ ماء الصبّار , وصُبابةَ الكأس فأي فاجعةٍ موحشةٍ .. وأيُّ قيامةٍ ضلّت يومها ! ..

( تتكور على نفسها وتأخذ في البكاء .. بصوت مرتفع , ثم تنهض مسرعة متجهةً نحو الكرسي وتبدأ بالدوران حوله ) .

لا .. لن أبكي تلك الليلة , لن أبكيها ولن أبكيك .. سأُشرع ذراعيَّ لأخذةٍ جليّة , أنتهر هذا الماء المالح , أُخمِّرهُ لأكرعهُ جرعةً واحدة . حين أفرغ منكَ ومنهم .. ومنهما ومني .. أحتسيهِ على أبّهةِ الجسد وطراوة الإنتقام .. ولزوجةِ المتعة .. أفتضّهُ دفعةً واحدة , ولينحني الآن فبعدُ المديَةُ لم تحمرّ .

( تهم بالبحث عن بعض الأشياء وسط الركام المحيط بالجثة , تحضر الحبل الذي قُيّدت به الجثة , والسكين , وتهم بربط الكرسي بالحبال , وترفع السكين , تمشي بعيداً عن الكرسي رافعةً السكين بكلتا يديها وكأنها تمارس طقوساً خاصة , تمرر السكين على كامل جسدها , أو تمّص السكين , أو تقصّ الهواء بالسكين .

تُسقط السكين وتلتفت نحو الكرسي وتتأملهُ بحزن , تتجه نحوه بخطوات واسعة , وتحتضنهُ بلهفة ) كم كنتَ جافاً معي تلك الليلة .. كنتَ قاسياً كموجةٍ على جناح , أُفرفر بين يديك وأنتَ ترقص [ زاركَ ] دونَ أيّةِ مشاعر , وكلما كنتُ أصرخ بين يديكَ كنتَ تواصل رقصكَ .. ترقص وترقص .. صاعداً نازلاً ( تجفل لبرهة ثم تتركه فجأة ) إعتصرتني حتى آخر الروح , سرقتني من لحظة الحليب إلى عمر العطش وخضضتني حتى رابَ دمي أيها الصوفي .. ولم تكترث أبداً لصوتي ينزفُ الوجع , ولعينيّ تغترفان الهواء , .. أولم تكن أيضاً شريكهُ , أو شريكي .

كان القتلُ لذّة , أَعترفُ ولكَ أن تعترف معي , أن نفرغَ كل أحاسيسنا , أبرز أسلحتكَ الآن , لم يعد المكان يحتمل الخشوع , وجسدي ما عاد قابلاً للملامسة .

الآن وقبل كل شيء , قبلَ أن تنبت على جسدي الخطيئة أو تتعثر رجلاكَ بأنفِ الوقت , والآن بعد كل شيء , بعد أن أكتهلتُ بالمادة واستوقفكَ خيلٌ يسأل عن الرحلة , والساعةَ في هذا الوسط .. أبرز لي أسلحتكَ , أُغطيكَ بكامل سحب الشهوة , ولتكن حربنا قذرةً حدّ الطعنة .. أنتَ بكامل هدوءك وصوفيتكَ , وأنا بنزقي ليحاسب كل منا الآخر .

الآن , ..

وقفتَ معهم حينَ أرخيتُ ظهري على ظهرك , حين عرفتُكَ أنكرتني .. تركتني أنزف حتى أغرقتُ ركبةَ السر .. وأخذت تتراقص منتشياً , حتى عندما اقتلعني منك جثةً هامدة , بعد أن ذوَّبَ دمي سكينُه , لم تبالِ .. وواصلتَ رقصكَ الجنوني .

ولا أذكر بعدها أنّك بكيت , ندماً ما بكيت , ولا حزناً عليّ وأنا مُلقاةٌ هنا , والسكينُ في ظهري كقرن ..

فهل تحسبني أغفر .. أو أسامح ؟ .. لا لن يكون غفرانٌ ولا مسامحة .. ما سيكون هو أنك ستخرج لي بكامل بزّتكَ العسكرية من خيوطٍ وأصدافٍ وسجاجيد , من صلواتٍ لا تحمل هويّاتها , ومراكب تمخر السلالم الحلزونية صعوداً ونزولاً , أهيء لك جبيني المسكون بالنايات السمراء العارية .. وعاج ضحكتي المتبجحة .. وندبة صغيرة على خدي .. ولتكن حربنا ..

( تقف في مقابلة الكرسي , إضاءة خافتة عليهما )

- إظلام -

ثانياً :

مقتطعٌ يؤسس ,

كلامٌ يُبنى

( تفتح الإضاءة مرة أخرى , الشابة تُقلِّب الجثة في هدوء وكأنها تتفحصها , تُخرج منديلاً من الحقيبة وتمسح الدم عن وجه الجثة وعن صدرها , تتأملها وترفع خصل شعرٍ عن وجهها , تحاول حمل الجثة ولكنها لا تستطيع ثم تبدأ بجرّها ناحية الكرسي , تجرّها ولكن بهدوء ورويّة محاولةً تفادي إيذائها وبين كل حين تتحسس جسد الجثة إلى أن تصل بها إلى الكرسي ثم ترفعها وتُجلسها على الكرسي بصعوبة , تأخذ المنديل مرة ثانية وتمسح الدم عن وجه الجثة , تُخرج مشطاً من الحقيبة وتسرّح شعر الجثة , ثم تأخذ علبة المكياج وتبدأ بوضع الزينة للجثة في هدوء )

الشابة : عندما لفّ عليَّ الحبل تذكرت كل تلك الأمور , مرّت عليّ

كومضة ...

حياةٌ بكاملها تقعّرت في كأس , عوالم مشحونة من الذل والفرح والمتعة , إنتصارات وأوهام , مدنٌ وأشخاص , ألعاب ومؤامرات , كل ذلكَ صار حاضراً في عين , في لحظة , لحظةٍ لخّصت , حذفت ما تريد من مشاهد وأثبتت أخرى , فجأة تقافز إلى ذهني أشخاص لم أرهم سوى مرة واحدة في حياتي , بينما ظل آخرون طي القمقم .. ( كمن يتذكر ) شحّاذ بذراع مبتورة يتحدث لسيدة في تكتّم , طفل يضرب أخاه الصغير بقسوة , شارع لا يفضي لأحد , مفاتيح متروكة على مقعد , مريض يتأوّه في غرفة إنعاش , أمي تحضّر غدائها , جارة تطلب الملح , قطة تنظف نفسها , حادث إصطدام في يومٍ ماطر ... رجل يعبث مع إمرأة , وأنا أسترخي على كرسي .

أرأيت .. كنت حاضراً في ذاكرتي لحظتها , الآن أتذكر جيداً , أتذّكرك .. لم تكن قط أبهى صورة في ذهني من ذلك اليوم , لا أدري كيف تذكرتك بهذا البهاء في حين أني كنت أكرهك ..

ولكنك كنتَ مشعّاً .. تطوّق خاصرتي وتغني , أو .. لا .. أنا من كنتُ أغني , أمّا أنت فكنتَ تستمع بنشوة , وترقص على أنغام غنائي , ترقص على ألمي وأنت تراه يفعل بي كل ذلك .

مدّ يدَهُ على أطراف شعري , إقتطعَ منهُ خصلة بسكِّينه ثم أحرقها وضحك .. مرّر سكِّينه على كامل جسدي وقال : الآن .. ألآن ؟؟ وهزّ رأسَهُ وضحك ..

وبينما كنتُ أذرف فراشاتي على الأرض كان هو يقتنص جسدي الخارجُ إلى رئةِ الماء .. ويضحك .. الآن ؟ .. الآن ..

كان يقولها مستهزئاً , وهززتَ رأسكَ موافقاً .

أجل الآن , ما ضرّ لو كانَ الآن , أركض كغزالةٍ إلى نبع , أرجع إلى دفاتري القديمة وأنا على شفا الإفلاس .. أهزّ النخلة ذاتها , ما ضرّ لو كان الآن , أترك لحمي على مجمرة وأحمل زنبقة الله , أليس من حقي أن أوقدَ لنفسي قمراً , أو أن أصنعَ من حديد عمري قطرة ندى أستحمّ بها على جبل الظلمة بعد هذا الغياب الطويل عن الساقية .

ولكن .. الآن .. ( تجلس في حضن الجثة ) وأنا هنا في غابة الصمت هذي , وعلى شَفرةِ الآخرة , في هذا الظلام اللامنزاح , أسأل نفسي .. هل ما حدث كان خدعة لم أتقن التعامل معها ؟ أم هي جريمة مدبّرة .. هل كان علي كي أغسل شعري أن أجفّف البحيرة .. ؟ هل كان من المنطقي قتل الشمس من أجل الحصول على الظل .. أم أنّ ما تمّ هنا في هذا المنزل كان مجرّد تتمة لجريمة أخذت وقتها .. وعندما وصلتني صارت بهاذا الوضوح والصفاء .

فلماذا رجعتُ إذن .. ؟

وما الذي أفعلهُ هنا ؟ إن كان ثمّة ما يُفعَل .. !

ممن آخذ الجواب وانا لا أثق بأحد ممن هم حولي , وعلى من سأشّن حربي وكلكم أعدائي وأحبّائي أيةُ زوبعةٍ إبتلعتني ..

لا أحاسبُ أحداً , لا الماضي ولا الزمان , ولا نفسي ولا غيري , لا أحاسب أعدائي ولا أحبّائي , لا أحاسب جسدي ولا فجراً عبر دمي , ولا يباباً عصَفَ بجنّة , لا أحاسب الشياطين التي جدلت أصابعي , ولا الأطفال التي علقت ببشرتي , فلماذا إذاً هذا البعث المقيت .. ولماذا أحضر في غيبةِ الماء , ماذا أفعل هنا ؟ ( تنظر للجثة .. وتخاطبها بجزن ) خذيني .. خذيني فما عدتُ قادرة على شيء .. إن حربي إنتهت حتى قبل أن أبدأها , ( تتطلع للكرسي .. ) وأنت أيها الصوفي واصل رقصك .. لعلك تسقط من الإعياء .. وتموت .

( تتكوّر في حضن الجثة بضع ثوانٍ , تنهض بعدها من حضن الجثّة تأخذ الحبل وتلفّهُ على الجثّة , تربطها جيداً في حين تتساقط أوراق أشجارٍ صغيرة صفراء من أعلى وكأنّها مطر ) .

هل هنالكَ معدنٌ أخفّ من الذاكرة .. أليَنُ من الندم , يُطاوعني حينَ ألفُّهُ حول يأسي ؟ وينسابُ مع جنوحِ أسرابِ القنوط في دمي نحو عجاجِ اللقطة ..

أدخَلَني إلى عباءةِ الظلمةِ بتمتمةِ ساحر , أفلا أخرجُ منها بِرُقيَّة ..؟

( تتأمل أوراق الشجر الساقطة على الأرض في حركة إنسيابية ) أغرقيني أيتها السماء فقد يكون الوقتُ قد حانَ كي أرصِفَ مشاعري المتهدّلة وأعبر .

( تلتفت للكرسي ) في يومٍ ماطرٍ أيضاً سيكونُ عليكَ أن تثني قامتك , أو تسحبَ أذيالك .. ولن يكون لرقصكَ فائدة , فيومها أكون قد مسحتُ عن أصابعَ قدميكَ كلَّ الطين المتجمِّع عليها .. ( تتوقف أوراق الأشجار عن السقوط , المسرح كله مغطّى بالأوراق الصفراء وتقف هي بمحاذاة الكرسي منهارة ) .

كنتُ ما أزالُ صبيّة .. يحملني عمري ولا أحملهُ , وكانَ هو أشرعةً تتّقدُ بالحرية , وأفقاً يرشرشُ رجاءاً , أحسّ دائماً معهُ بحرقةٍ في أذنيّ , وعطشٍ يهسهسُ على شواطئي , ألفُ ذراعٍ تحوطني مدّها لي وأخرَجَ أسهمٍ ملتويةٍ من أصدافي , هل أرغبُ حقاً في تذكّره ؟ وهل أجرؤ .. وأيُّ تَرْكٍ يقوى على معانقةِ ذكراهُ تلك ..

تحسّس النرجسة النائمة على قميصي وقال أترغبين ؟ .. ولم يكن بإمكاني لمس الشمس التي عدلت ياقتي ..

أغمضتُ أسئلتي كلّها .. ويدي بيده .. ( بانكسار ) لم أشعر وقتها بلزوجةِ يده ..

( تتجه نحو الجثة ثم تبدأ بعدّ الطعنات ) واحد .. إثنين .. ثلاثة .. يالها من قسوة .. تُرى عمّ كان يبحثُ في هذا الجسد حتّى مزّقهُ بهذه الصورة .. ( تتأمل جرحاً متسعاً بحزن ) يا لهُ من جرح .. وكأنّهُ الفم الكبير بين السماء والأرض .. ( للكرسي ) أَتَرَاه ؟ .. بالطبعِ تراه .. وكأنكَ لستَ الشريك الأول ..

( تجلس على الكرسي وتؤرجح نفسها ) كم أشعرني بالسعادة عندما أهداكَ لي .. جسلتُ أنا وراحَ يؤرجحني .. ثم قال : الليلة ...

إنجرفت معه لأبعد الحدود , ولا أدري إن كان كل ذلك برغبةٍ مني أم أنني كنت أنفر مما أفعله ؟ .. لم أشعر يوماً بالنفور .. بل على العكس . في بعض الأحيان كنتُ أشعر بحاجةٍ ماسّة إلى أن أدخل تحت اللحاف .. وأن أفرش جسدي على طراوة الزهو .. كنت أشعر بأنني غيمةٌ تنظر للبحر وهي تعلم أن كل قطرةٍ منه تتحفّز لمعانقتها .. حين تنضجها تلويحة الشمس .

( تأخذ جانباً وتجلس ) إنّه عاجز .. ! لم أفهم يومها .. فلقد كان مكتملاً كالزيف .. وأنا طوّقت حلمي به .. فلم أعد قادرة على الفكاك منه , كان يكفيني أن أتحسّس عينيه الممتدّتين بالرغبة , كبساطٍ مَلَكي .. أو أن أتأمل خيوط كلامه القطنية , تغزل على مَهَلٍ جبين صباحٍ من الأعياد , لطفلةٍ طوّحتها أغاني الدهشة وحرّكها موج الإكتشاف .

أأنا ضحيةٌ راقها منظر السكيّن ؟ أم قاتلة تصغي لخرير الدم ؟ وهل يعود القاتل لينتقم من قتلاه .. أم هل يعود القتيل لينتقم لقاتله ؟ وأيّنا أغرى الآخر .. ومن منا إلتزَمَ الفرار .. ؟

صدّقته .. وآمنته , وفتحتُ لهُ شُبّاكاً ليُدخل أصابعهُ في مشاعري , وها أنا الآن أطلب منه وقتاً , أُخرجُ جسدي ليتطّرى , جسدي المحشور بين صليب العتمة وقيامة الفرجة , .. ( تلتفت للكرسي ) ..

لستُ أقوى بعد على الإفصاح .. ولكنّهُ أمرٌ لا بدّ منه .. لا بد لكي تكتمل كل الفصول .. أن تُنضج الذاكرةُ القولَ حتى يأتلف , آه .. لكم أنا مثقلة بتخومٍ من الذكريات النيئة .. أشعر أنها تظللّني , وكالعارية تماماً أقف لأتأمل .. كل ليلة ..

مرة بعد مرة .. كان يمسك راحتيّ لأرى نفسي من وخطةِ الزلل إلى اشتعال الخطيئة .. لا أدري أيّة نظرة ينظر بها إلي وأنا أزرع أصابعي على شجرٍ يطفو على السرير ؟ بينما أغرق أنا لأبعد نفَس ..

( تبدأ ريح غريبة بالعصف , تتطاير الأشياء في غرابة بينما بعض الأشياء تتحرك وكأن تحرها ليس بفعل الريح في بعض الأحيان , فهي تتخذ لها أمكنة أخرى , وكأنها بعض الأشخاص الذين يغيرون أماكنهم , بعض الأشياء الأخرى تتناثر بفعل الريح .. التي تعصف من كل الجهات وكأن ليس لها جهة محددة , تتزايد أو تتقاصر سرعة الريح وعنفها وكأنها موسيقى سمفونية ) ..

إنه عاجز .. عاجز .. كل مرة أكتحل فيها بالوبال تصكّ أذنيّ هذه الكلمة .. يخزني هذا العوسج .. وتخطر ببالي كلماته عن الرغبة .. والحاجات فأشعر بأنفاسي تحترق ما إن تلامس هذه الكتل الرخوية التي يسمّونها الذاكرة .. فأشعر بقشعريرة تنهش جسدي .. فلا يريح قلبي غير أن أسند ظهري إلى ظهرك .. حيث تهدهد آمالي وهواجسي ...

لا أدري ما الذي يدفعهُ لفعل ذلك .. أيةُ حاجةٍ هي في نفسه تجعلهُ يشعر بالرضا حين يلحظني أوظّبُ مخدّة السَحَرَ لصليلٍ آخر ... لا أدري كيف تغره الغيرة في مطلق الندى بينما لا تتحرك رجولته حين يجبرني على الإبتلال بالصخر ..

هل قلتُ يجبرني .. وهل كان يجبرني حقاً .. لا أعتقد أنه كان يجبرني .. أنا نفسي أشعر بالحاجة لإشعال فتيلة الزيت التي في داخلي ..

ولكنني إشمأززت .. ( في غمرة الحوار تنهض الجثة المرأة لتتجول في المكان , تتناقص مساحة حركة الجثة شيئاً فشيئاً .. حتى تصبح وكأنها محشورة في صندوق زجاجي , تشير طالبةً النجدة أو المعونة , تطرق الصندوق الزجاجي بيديها ثم تقع .. وتتكدس , ثم بعد ثوانٍ تنبسط على الأرض وكأن الصندوق الزجاجي بدأ بالإنزياح عنها )

عشر سنوات وأنا أعاشر أشخاصاً لا أعرفهم .. يمرون على جسدي كقطارات بلا أرقام .. لقد مللت اريد أن أتطّهر من هذا الدنس الآخذ في صدري .. أريد ان أغسل قلبي من هذا العهر .. وكم وددتُ لو غسلته هو أيضاً .. وحملته معي إلى جبل يطلّ على نداوة عطر ..

كم قلت له .. لا أشعر برغبةٍ في فعل ذلك .. أشعر أني استنزفت لآخر درجة .. وأشعر بالقبح يقطر من رأسي فيغرق كامل جسدي ..

أخذ باغترابه لأبعد من وطن نورس .. وعقد بأقبيته تلابيب الجنّة .. فهل أطال بعد أن تسمّرت في شهوائه قافية الجدول ؟ وأنا مستلقية على قرن الخديعة ؟

وهل أصدّق بعد هذا كله أني بريئة من ذبح طائر الحبارى الراجن على صدري ؟ وهل أتغاضى عن صفعة الدم لسكينةٍ شخصت عيني ؟

أجل .. أنا أيضاً نفختُ في الصور .. أنا أيضاً بعثتُ الموتى بموتهم الطري دون أن أتجرأ على غسل كتل اللحم المقدّد عن جماجمهم وأطراف هياكلهم المنخورة , أنا أيضاً غمستُ رأسي في جلده الرطب ..

( تلتفت للكرسي ) ولكن .. ها أنا أعود لأحني جذعي تحت النخلةِ ذاتها .. أنكس بصري على الساعات المتسربلة عباءات عمري .. وأجمعها ساعة ساعة .. أنظفها بمخمل توبتي .. وطينٍ ندمي ..

ولكنكما استكثرتما عليّ مصالحة الشفق ..

استكثرتما عليّ التأرجح في باب أبي العتيق ..

استكثرتما علي جرف الوقت الآسن عن سقف علاقتي مع الله ..

ماذا أفعل .. وقد ألجأني مصيري إلى أن أكون معك في فضاءٍ واحد ..

أنت أيها الراقص على تكتكة الزمن بهدوء ..

وأنا الخالعة عند نار الوجود قميص العبادة .. كان لا بد لي من محاسبتك .. أو محاسبته .. ..

إختبأت .. إختبأت .. وضعت رأسي في شق الليل .. لأسمع لهاثي الصارخ كان يكفيني أن أغسل وجهي كي أعرف كم كان مزيّفاً .. تركتُ الظل الأخير .. ورحلت ..

فهل كان كثيراً عليّ أن أرى وجهي كما هو ؟ .. هل كان كثيراً عليّ أن أختار لطريقي خطى مغايرة ؟

ولكنك لم يهن عليك أن ترى الزغب ينبت على قلبي .. بحثت عني في كل مكان ..

وعندما كنت أنا أسفُّ التراب كي أمسح به وجهي .. علّه يعود كما كنت .. قبل أن تضع عينيكَ علي ..

( تتجه بسرعة خارجة من المنصّة , ثم بعد قليل تعود ساحبة معها جثة أخرى , هي جثة رجل في الخمسين من العمر .. في كامل لباسها الرسمي لا يكدّر صورتها سوى كتل الدم المتجمّدة على رأس الرجل , الذي يبدو أنه قد قتل منذ فترة , تسحب الشابة الرجل نحو جثة المرأة وتلقي به عليها , ثم تقف لتتأمل الجثتين .. لحظات من الصمت .. )

" إظلام "

ثالثاً :

الطينُ ..

غِربال الهواء

( تفتح الإضاءة على الشابة من جديد تتوسط الجثتين , وهي غارقة في تأملها .. ثم ما تلبث أن تبدأ في تقليب الجثتين وتحريكهما , تهم بالنظر للكرسي , تتأمله , تقطع خشبة المسرح جيئةً وذهاباً وعيناها محدقتان بالجثتين , ثم تقع على جثة الرجل وتهم بتقبيله , ولكنها في اللحظة الأخيرة تتراجع وكأنها خائفة منه .. تتجه لأحد أركان المسرح وتتكور فيه ..

بعد دقائق تحاول النهوض مرة أخرى نحو الجثة مركزة بصرها على وجه الجثة الرجل , وحين تصل إليه تركله بقدمها وكأنها تنتظر منه أن يتحرك , وحين تتأكد من أنه لا يتحرك تلقي بثقل جسدها عليه وتبكي , ترفع رأسها وتبدأ في تفتيش الجثة , تتوقف عن التفتيش وتحدق بشكل هستيري للجثة , تتراجع ببطء , تعود لتسوي هندام الجثة مرة أخرى , ثم تتراجع نحو الكرسي تتكيء عليه ولا تزال نظراتها مشدودة إلى الجثة .. دقائق من الوجل .. ) .

الشابة : لم يكن المدى أوسع من رفّة الطائر

حتى يأتنق الحلم , معك حق .. ستكون هنالك فرصة أخرى لسبر هذه التعاويذ , أو تفتيتها .

عندها أكون قد أنهيت علاقتي الشائكة بك .. أما الآن , وهذي السماء تخبيء يديها في جيبها والرصيف مشرع للإنفلات بالزمن , خير لنا أنا وأنت أن نعبّ من صدرٍ يختلط فيه النَفَس بالنَفَس , والموج بالموج , ( تذهب للجثتين ) وهذه بهذه , أنا بك , الروح بالجسد , المغفرة بالإغتراف , ولتكن حربنا الآن , وقد اشتعلت بكامل السَحَر , سأبدأ في تكوينٍ ينداحُ علىصفحةٍ تتكسّرُ في غبائها , وأدخل عليكَ في أوج ديمومتي , أنا , الجسد الذي طالما امتهنته , الجسد الذي في غمرةٍ الفناء , جذع الشجرة القديمة الذي انتصب في خاصرة الآلهة .. وأنت , يحموم الخطاة , الشاهد على آثام الآثمين , تهزّ رأسك مستنكراً إن أطلق الآثمون صيحاتهم الفضية تاركةً أثراً على أصابع التراب .

الآن أعرف أن هذا بعثٌ يستحقُّ المُقامرة .. الآن وقد قامت رؤياي لاتتكيء على طحالب الذاكرة المتيّبسة , بل تضع رجليها بثبات فوق أفواه الساعات المكممة ..

أعرف أن هنالك وقتٌ لنزفٍ يَغِرُ المماطلة , ويتوحّدُ بالروح . الآن , في هذا الحين الموكل بعواء النقمة , وشعشعة التشفّي , أعرفُ أن هذا البعث قابلٌ لأن يكون أو أكونهُ أنا , .. أحمل وقتي وأرضعهُ من دَرّي , وتتخذ أنت مراجلكَ النحاسية .

وقف أمامي وأنا أرجف كفهدٍ مجبولٍ بالتهمة , كانت عيناه تشعّان بالغضب .. تنفثان دخاناً أسود أحاطني بهالةٍ من الظلام , هالةٍ أحسبها سحبت الأفق إلى قعر الجحيم , بصَقَ في وجهي .. بصَقتُ في وجهه ..

كان الركام الذي بدأ يتشكّل ما بيننا قد بلغَ حدّه , فلم أعد أراه أو يراني .. ما صرنا نرى إلا هواجسنا .. غضبنا .. كرهنا .. إشمئزازنا .. كنتُ أراهُ أمامي فضاءً يتأسَنُ برائحةِ الجيف , أرخبيلاً مدجّناً في جحرِ أفاعٍ , ضفةً لا تُفضي إلا لليباس , ورآني هو .. صحراء مزججة بالفضيحة , كبريائه المتماوع على أجنحةٍ منحوتةٍ بالكسرة , مفرّغة بالخضوع ..

الصمت .. الذهولُ كان الذي بيننا , وجدارٌ يشهق كأنّهُ زمجرة إسرافيل , إلتفّتُ إليه .. بطرفةِ عينٍ , قلتُ .. وماذا بعد ؟ هل نحنُ في مقلعٍ أمعاؤهُ تمتدُّ إلى اللا وطن ؟ هل آخرنا مؤجلٌ حتى ذيلِ السماء ؟ أتلاحقني أم ألحقُ أنا بك ؟ من سيصل ومن سيتعثّر به الدرب ؟ .. أليس من حقِّ كلٍّ منا مهجعٌ بين أزقّة الوقت ومباني الهرب ..

أكسو كلماتي بالكسل .. بينما وجهها فاتحٌ فمهُ في جنازير الغليان .

والذي سيصل أولاً .. ماذا سيجد غير نفسهِ في مرايا كالحة , والإثم مُخرجاً أسمالهُ من صندوقه البالي .. يبللها بالدمع .. ويبكي ...

أتريدُ أن تتعرّف بالطَرَقاتِ على الباب يتنمّلُ مقبضهُ عند أولى اللمسات , أتريدُ أن تجفَلَ أنت أيضاً ؟ أتريد .. ؟

ليتني ما أفسحتُ للخطى مداركها .. ليتني ما تركتهما يشقّانِ الفروَ الذي تمشي عليه الأرضُ الصغيرةُ باحتراز , ليتني وأنا منشطرةٌ توقفتُ عن تلميعِ مصابيحِ العتمةِ المضيئة في آخر الرواقِ الضيّق , الواطئ , المتعرّج , الآسن , الرطب , المختمر بالأسود . وتركتُ المشهدَ يتحلل , حتى ينضب .

أبإمكاني الآن .. أن أقايضَ الخزافين بهذه الهلاهيل ..

من يشتري مني أخيلةً يحسبها المقبلُ رواحاً , ويتعفّطها المدبر .. مكوّمةٌ منذ زمنٍ في قفّةٍ مخصوفةٍ على مَهَلٍ , وبيدٍ باردةٍ ..

( للكرسي , وهي في حالةٍ من الهياج والغضب ) أغلِق بوّاباتكَ السبع على أصابعي المتشبّثة .. إجدع أنفي أيضاً كي لا أشمّ رائحةً .. وأغرقني بالحفائر .. والمكائدِ ..

( تهمّ بتكسير الكرسي الذي ما إن تقترب منه حتى يتهايل .. ويسقط .. ترفع بصرها للسماء باستغراب , يتشّكل الكرسي مرةً أخرى ولكن هذه المرة على شكل صليب .. تحدّق فيه .. تحاول الإقتراب منه ..

تتخطى الجثة الرجل وتقترب من الكرسي الصليب , تحتضنهُ بكامل شبقها .. وكأنها تمارس معه طقوس من الحب الملائكي , فجأة يحترق الصليب بين يديها .. تتراجع وهي تنظر له مدهوشةً مما يحدث , بينما النار تأكل الصليب الكرسي حتى تحوّلهُ إلى رماد .. تتجه صوب الجثة المرأة وترفعها , تنهض الجثة المرأة وتتجه نحو " الكرسي – الصليب – الرماد " وتجمعه بيديها لتصبغ به شعرها .. بينما تواصل الشابة دورانها العشوائي على المكان , تقف .. في مقابل الجثة المرأة التي وبعد أن فرغت من تخضيب شعرها بالرماد بدأت بالإنهيار على الأرض مثل كومةٍ من الجليد ) .

مهدورةٌ تلك القصائد التي لا تُقال , مهدورٌ ذلكَ الكأس الممتلئ بعرايا القيامة , مهدورٌ عمرُ الشيخِ الجالس على تكّةِ الفرج , يحملقُ في قطَطٍ مؤطّرةٍ بالماضي .. تفركُ فروها بتجاعيدِهِ فيضحك ..

وهذا الإنتقام اللا مُجدي .. مهدورٌ هو أيضاً , مهدورٌ في مجرى يتجمّدُ تحتَ طبقاتٍ من الجنونِ والمصادفة , لا تُدهشُ لهُ أعينِ الذين يتلَقَّونَهُ , ولا يسيل لهم حين يغمسونَ أصابعهم الجافّةَ في بلله لعابُ اللذّةِ المتبطّنة , يسعى بين أقدامهم فيما لا يحسّونَ سوى برُعافِ التربةِ المتخشقّةِ تنتشرُ كالنومِ السماوي على بواطنِ أقدامِهِم , وفيما هو ينهضُ كالمزاجِ الحادّ , لا يبادلونهُ هم غير النظرات المتأففةِ , تاركين لهُ أجسادهم الرطبة يعتليها كلبلابٍ كسولٍ يمتشقُ أغصانَهُ شاخصاً , يتحسس الحجر أو يفتته ..

( تنهض متثاقلة نحو جثة الرجل وتلثمه في فمه , تتأمل وجهه الغارق في الدم وتبكي , ثم ترفع الجثة الرجل في حضنها وتهمس في أذنه وكأنها تحدثّه بأمرٍ ما , تضحك بحنو , ثم تتصاعد ضحكتها حتى تبلغ حداً جنونياً , ثم ما يلبث الصمت أن يسود المكان , تسحب جثة الرجل نحو الجثة المرأة الملقاة عند " الكرسي – الصليب – الرماد " وتوسده عليها وكأنها تحاول أن تجعلهما يمارسان الحب , لا تتحرك الجثتان أبداً , ولا تستجيبان لتأملها .

تتجه صوب الجثتين مرة أخرى , تضغط على الجثة الرجل وكأنها تحثّه على فعل الحب , وعندما تبتعد عنه تسقط الجثة الرجل على الجانب الآخر من الجثة المرأة , بغضب تهم الشابة بدفع الجثتين لفعل الحب , بينما لا تجد من الجثتين سوى الموت .. ) .

طينٌ .. بارد , لستَ سوى طينٍ بارد , لا يشتعل فيه سوى الوجومِ والصقيع , لن تنتشلكَ من عجزِكَ سكينٌ .. ولن يقترف فيكَ الموتُ إلا مدائحه .

ماذا تريدني أن أفعل غير ذلك ؟ وأنتَ اقتضيتَ على نفسكَ أن تلبسَ الوبر , وتنامَ بين الزجاجِ و شفّةِ الصدى , ونحبتَ جلدكَ لشيطانٍ متراخي الحاجبينِ , يغيّبهُ البياضُ , وتقّشرهُ معاولُ الرؤيا ..

طينٌ بارد .. والباقي موتٌ مصنوعٌ من سحابٍ دانٍ , وثلجٍ لا يبرأ .

( تنكس طرفها في إنكسار , وتنحني أمامَ الجثتين في خشوع وكأنها تصلّي , بينما يتساقط المطر – الورق في تناغم , وتعصف الريح الباردة في ألفة , وتشتعل النار الوردية في هشيم المشهد ) .

" إظلام "

ليست هناك تعليقات: