مكان ما



لقطة من عرض المسرحية على صالة البحرين الثقافية حيث قدمت بإخراج المؤلف ضمن فعاليات مهرجان الريف المسرحي السادس بتاريخ 11 مايو 2010م


(المسرح مظلمٌ قليلاً بالرغم من كونهِ فضاء أبيض وواسع، وربما باردٌ أيضاً، هناكَ خلف المسرح هيئة عجلات كبيرة ربما تكون من مخلفات إحدى الحروب، في الأمام هناك آلية مدمّرة لا تبدو عليها ملامح معينة توحي بعصر صنعها، في الواجهة اليمنى أحد الجنود مستلقٍ تماماً.. غارقٌ في النوم، في الجانب الآخر هناك رجلٌ عجوز رث الثياب، يُراقب الجندي النائم في قلق.

من الضروري أن نعلم أن هذا الفضاء الأبيض الواسع، سيتحوّل مع الأحداث، ولذلك فهو سيضيق أيضاً إلى أن يصبح غرفة مظلمة، كما أن هذا البياض الذي يشكّل خشبة المسرح، سيتحول مع تحرّك الجندي الذي ينزف في أرجائه إلى خرقة بيضاء ملوثة بالدم، ومن الممكن أيضاً أن تنزل خلال العرض كميات من الدم على الستارة الخلفية البيضاء للمسرح، لتتحوّل أيضاً إلى خرقة ملوثة بالدم.

حركة العجوز تُفزع الجندي النائم فيستيقظ هلعاً، فيما يتّجه العجوز نحوهُ بهدوء)

الجندي: (خائفاً) من أنت..؟ من أين أتيت؟

العجوز: (دون ارتباك) أنا.. أنا من هنا... أنتَ من أين؟

الجندي: لقد كنتُ هناك.. ثم

العجوز: (مُقاطعاً) أتيتَ من هناكَ إذن.. ها.. رأيتَ كل شيء؟

الجندي: عشتُ كل شيء

العجوز: (يبتسم) لا يبدو ذلك

الجندي: كيف؟

العجوز: أنتَ هنا الآن!

الجندي: .. نعم..

العجوز: (يحاول أن يقترب منه ويتحسس جرح ينزف دماً في قدمه)

يبدو أنك مُصاب..

الجندي: ليس هناك

العجوز: (وهو يتفحّص الجرح) لقد نزفت الكثير من الدم.. تحتاجُ إلى الراحة.. هل تريدُ ماءاً؟

الجندي: (يحدّق في صمت بينما يتفقّد العجوز الجرح)

العجوز: لن يكونَ صعباً عليّ إيقاف هذا النزيف.. هل تحتمل الألم؟ (يأخذ قطعة من القماش، ويربط الجرح، يشدّه جيداً.. الجندي يصرّ على أسنانه في محاولة لتفادي الصراخ، وليتحمل الألم)

الجندي: (مازال صامتاً)

العجوز: ليس عليك احتمال كل هذا الألم.. تستطيع أن تصرخ.. تستطيع أن تئنّ، أن تبكي أيضاً، لستَ هناكَ الآن، هنا بإمكانكَ أن تعبّرَ عن ألمك، عن حزنك، عن ندمك.

الجندي: ليس ثمة ما أندمُ عليه..

العجوز: ولا أنكَ كنتَ هناك؟

الجندي: (ينظر بوجوم إلى الرجل العجوز الذي يحدّق في عينيه) هل..

العجوز: لا.. ولكنني أعرفُ الندم أيضاً.

الجندي: قلتُ لك، ليس ثمة ما أندمُ عليه.

العجوز: هل تريدُ ماءاً؟ (يذهب ليحضر الماء، يلتفت إليه) ربما أتأخرُ عليكَ قليلاً، ها أنت ترى أني لا أستطيع أن أعدو.

الجندي: (يحاول النهوض ليتحسس المكان، بثقل ينهض يجوب المكان، كأنه يتعرّف عليه للمرة الأولى، وخلال تجواله في المسرح يلوّث المسرح بالدم الذي يظل ينزف منه، من الجانب الآخر، تظهر فتاة صغيرة في بدايات العقد الأول من عمرها، ملامحها باهتة ومتسخة، غير أن ثمة لمسة من حزن جميل تبدو واضحة على وجهها، تنظر إليه وتتكوّر في أحد جوانب المسرح، وعيناها تلاحقان الجندي بتوجّس، فيما لا يبدو أن الجندي قد انتبه لها، ويواصل هو تحسس المكان وآليات الحرب الموجودة فيه، يدخل الرجل العجوز وبيده جرة صغيرة كأنها جرة عساكر، مع بعض الطعام الملفوف في قطعة من القماش)

العجوز: كأنكَ ألفتَ المكان.. ليس عليكَ ذلك

الجندي: لماذا؟

العجوز: (يقدم الماء والطعام للجندي) لأنك لا تنتمي إليه

الجندي: (يتناول الماء، يبدي استغرابه من شكل الجرة، ثم يشرب الماء) لم أكن أنتمي إلى هناك

العجوز: وهل تعتقد أنكَ ستنتمي إلى هنا؟

الجندي: ربما

العجوز: ربما هذه لا تنفع مع المكان، المكان ذاتٌ كبرى نكونها، ونتشكل فيها ومعها ومنها، نحن لا نعيش ذاوتنا إلا بالقدر الذي نعيش فيه أماكننا، المكان ليس بناءً حجرياً أو خشبياً وحسب إنه مختبر تتفاعل فيه أرواح شتّى وعوالم شتّى، إما أنكَ تنتمي إليه أو أنكَ لا تفعل.. "ربما" هذه.. مجرد كذبة.. (يصمت.. ويحدّق في الجندي ثم دفعة واحدة يلقي جملته) ماذا كنت تفعل هناك؟

الجندي: (ينظر في عيني العجوز) أمثّل دوري..

العجوز: وهل كنتَ مقتنعاً به؟

الجندي: لو كنت مقتنعاً لما وجدتني هنا (يصمت وكأنه يتذكّر ما يحدث) كنتُ محاصراً بعدد من الأسئلة الممنوعة من الإجابات، أسئلة كانت تعصفُ بذهني، وكان عليّ أن لا ألتفت لها، كلما تقدّمت من أحد الضباط لأفرغ أسئلتي أمامه، ابتسم في وجهي، وقال لي.. ليس عليكَ أن تعرفَ الآن، لماذا تسأل هكذا أسئلة.. ليس هذا وقتُ مثل هذه الأسئلة، أنتَ تذهب بعقلكَ بعيداً أيها الجندي.

(تبدأ الفتاة في تحسس الدم على المسرح، وتحاول أن تنظّف الدم عن المسرح بقليل من الماء الذي تحمله معها في دلو صغير وقطعة قماش، تبدو جاهدة في هذا العمل، وبين الحين والآخر، تنظر إليهما في حديثهما الذي يبدو وكأنه لا يعنيها، ولكنها أيضاً تحاول دائماً أن تبتعد عنهما بقدر الممكن)

مرة واحدة فقط وجدتُ إجابة مختلفة.. حينها فقط فكرت أن أرحل عن.. هناك، كان أحد الضباط الذين لم يكونوا يتجولون كثيراً، لم نكن نراه أبداً.. حتى أننا نستغربُ حين نشاهده، ونعتبر مشاهدته إشارة لتغيير ما ربما قادم، أو لاضطرابٍ ما في سير الحوادث اليومية المملة والمضجرة.

ابتسم في وجهي.. عندما طرحت عليه أسئلتي، وقال هل تعرفني؟ نظرتُ في عينيه.. تماماً، وما إن فتحتُ فمي لأجيبه حتى بادرني.. لم أكن أتصوّر أن ثمة بعد من يطرح مثل هذه الأسئلة، من الواضح أن النظام لم يعد يعمل كما السابق، خفت.. خيّل إليّ أنه يعني شيئاً.. ثم مرة أخرى نظرَ في عينيّ وقال.. لا تحتاجُ للكثير لتجيب على مثل هذه الأسئلة، وليس عليكَ أن تنقلها لنا.. لن يفيدكَ أيّ منا، عليكَ أن تبحث بذاتك، اختبر هذا الذي فيك، ليمنحكَ هو إجاباته.. ابتسم مرة أخرى، وبكل هدوء اعتدل في مشيته.. ومضى.

العجوز: ثم..

الجندي: ثم ماذا؟

العجوز: (وكأنه لا يريد أن يلحّ) تنزفُ كثيراً.. ولا تصرخ

الجندي: أجل.. هكذا أنا

العجوز: (ينهض بغضب) أجل.. هكذا أنتم

الجندي: نحن من؟

العجوز: (يلتفت إليه وفي عينيه يتقّد الغضب، يحدّق في عينيه تماماً ويصرخ فيه) ما بك.. أتظنني لا أعرف، لا أعرفكم..

الجندي: تعرفُ من بالتحديد؟

العجوز: أنتَ بالتحديد..

الجندي: أنا؟

العجوز: أجل أنت، هذا الكبرياء المزيّف، هذه القسوة المصطنعة، هذا الغرور والعجرفة القشرة، أعرفكَ أنتَ بالتحديد، أسمعُ صوتَ غناءكَ ليلاً.. خوفك الذي تخفيه في أكوامٍ من الظلام، كنت تغني بخوف كل ليلة، وكنتُ أقفُ هنا.. (يتجه للآلية المدمّرة، يقف أمامها مباشرة) هنا بالتحديد، لأستمع إلى صوت لهاثكَ، أشمّ رائحة عرقِ رعبكَ القذرة، وهذا الدم، هذا النزيف الذي لم يتوقف منكَ أبداً، أتظنني لا أعرفك، لا أعرفه (يشير للفتاة التي تندفع بقوة لتختبئ خلف العجلات الكبيرة، فيما يبرز وجهها المرعوب من أمام العجلات..) هي فقط الشاهدة عليك، ليلةً بعد ليلة.. من خلف أسمعُ صوتَ غنائكَ المحموم، ومن أمامي أسمع صوت صراخها المرعوب، ويلتقي هذا الدم الذي لا يتوقف، بخيطٍ شفّافٍ من عينيها، هنا أمامي.. فهل تظنني بعد لا أعرفكم؟

الجندي: (بذعر) ولكن

العجوز: ها أنتَ أخيراً.. تخرجُ من درعكَ الحديدية، تنفعلُ قليلاً بما يشبه الكائن، فما الذي أخرجكَ من ترسكَ المعدني أيتها السلحفاة المتهرئة؟ الخوف.. الذعر؟ (بغضب يصرخ في وجهه) الآن اصرخ وتألم، إبكِ كما يفعل أي بشريّ سوي..

الجندي: ماذا تعني؟

العجوز: (بهدوء مبالغ) تنزفُ كثيراً..

الجندي: (يصمت.. وينظر في عيني الرجل العجوز، فترة من الصمت.. وكل من الجندي والعجوز ينظران في عيني بعضهما، ثم بعد قليل يبدأ الاثنان في خفض عينيهما.. والنظر للفتاة التي تستشعر هدوءهما فتذهب هي أيضاً بهدوء إلى عملها السابق في تنظيف المسرح من دماء الجندي) هي ابنتك؟

العجوز: (ينظر إليها) كانت هنا حين جئتُ أنا إلى هذا المكان، صامتة.. خائفة ومنعزلة، لم أستطع أن أتقرّب منها، أو أن أفهم منها أي شيء، لم أحاول بالتحديد، كنتُ أظن أني أراها بشكل أفضل هكذا، هي أكثر صدقاً بهذه الطريقة، تعبّر عن خوفها وقلقها بشكل واضح، ليست مزيّفة مثلنا كلنا، فما الضير إذاً في أن تظلّ هكذا..

الجندي: منذ متى وأنتَ هنا؟

العجوز: (يضغط بشدّة على جرح الجندي.. الذي ينظر إليه بفزع، ثم يترك يده عن الجرح الذي يظل ينزف) هل يجبُ عليّ أن أتذكّر؟ لا أدري حقاً إن كنتُ قد جئتُ من مكان آخر، أو إن كان ثمة مكانٌ آخر أصلاً، نحنُ نتعلّم كثيراً طوال رحلتنا الغير مدركة، أن ثمة الكثير من الأماكن.. ولكن لا أدري هل هذا التشابه الذي أشعر به هو داخلي أم هو وهجٌ حقيقي صادر من كل هذا الأماكن فعلاً.

بكثير منها اصطدمت، في كثير منها عشت.. وفيها كلّها رأيتُ كيف يتحوّل المكان إلى يدٍ سوداء معروقة، تتشنّج شيئاً فشيئاً، وأنتَ في راحتها، شيئاً فشيئاً تنمو أظافرها الخشنة، وأنت دونَ اكتراث تواصل انبهاركَ بالخطوط والدوائر، بالعالم السحري الذي تبهركَ به، بالكذب المستمرّ، وعروقها تبرز ثم تبرز، وتتشنّج أكثر، ثم في لحظة ليست بذاتِ بال تقبضُ عليكَ.. لا مجال لأن تتنفّس بعد ذلك، لقد أصبحتَ أسيرها وحسب.

أحدثَ لكَ ذلك؟

الجندي: لا أدري عمّ تتحدث، ولكني أعني منذ كم من الوقت وأنتَ هنا؟

العجوز: ألا تفهم.. أقول لك ليس هنالك وقت، ماذا ستفهم لو قلتُ لكَ عاماً أو عامين، ها.. هل ستفهم أن هذين العامين هما كذا شهراً.. أو كذا يوماً، كذا دقيقة، حسناً ماذا يعني هذا أيضاً؟ لا شيء.. ماذا يعني أن تظل تمثّل كما كنتَ تفعل أنتَ.. كما أنت تفعل الآن، شهراً.. عاماً.. قرناً، أنتَ صدئ أيها الجندي، وستظل تحمل صدأكَ أينما ذهبت..

الجندي: لا تحدثني بهذه الطريقة..

العجوز: (يغير من طريقة حديثه، وكأنه يتحول إلى أحد الجنرالات) أخرس.. أيها الهارب

الجندي: (يفزع) ماذا.. ماذا تعني؟

العجوز: هل تظن أنك تستطيع أن تهرب من النظام؟ هل تظن أنكَ قادر على الفكاك من الكف المعروقة؟ استعدّ لتلقى عقابكَ أيها الجندي..

الجندي: ولكن..

العجوز: كفى.. هل تظن أنكَ ستنجو بفعلتك؟ أننا سنتركك هكذا دون أن نسعى لانتقامٍ مذلّ، تعتقد أنكَ وصلتَ إلى هنا وحسب، لا.. عليكَ دائماً أن تحسب نتائج أفعالكَ أيها الجندي، أنت تحيا ضمن منظومة متكاملة، لا يمكن أن تفلت منها وقتما تشاء.. ما فعلتهُ كان خطأً لا يغتفر..

(تضيق الغرفة أكثر، تنحصر حركتهما أكثر في مساحة أضيق)

الجندي: ماذا تعني؟ من أنتَ؟ من أين جئت؟

العجوز: ها أنتَ تريد أن تنكر الآن، أن تخلع عنكَ جريمتكَ القذرة هكذا بكل بساطة، وتلقي بها خلف ظهرك

الجندي: أية جريمة؟

العجوز: (يضحك ساخراً) أية جريمة، يا للبراءة التي تريد أن تظهر بها، أتظنني أصدّق أنكَ هربت من هناك فقط لأن الدور لم يعجبك؟ أيها الجندي القذر.. أنت تنزفُ كثيراً دون أن تصرخ، وتريد مني أن أصدّقك..

الجندي: هل أنت..؟

العجوز: (يصرخ بشدّة) لا.. لا تضعني في إطاراتكَ البائسة، لا تخلع عليّ لقباً ولا صفة (يصمت).

نياماً كانوا.. وأنتَ بخوفِكَ الذي تربيّه في سريركَ كل ليلة، أفكاركَ وهواجسكَ القذرة حول الحرية المزعومة، أوهامك الغبية حول الصفح والقتل، كرهكَ الممجوج للحربِ المقدّسة، خرافاتكَ حول الحقيقة والتزييف، رؤيتك القاصرة لما وراء الخير والشر، هذه الأفاعي التي كنت تصطنعها في عقلكَ المأفون.

نياماً كانوا.. وأنتَ تحدّقُ فيهم مذعوراً، واحدٌ منهم ولكنه مختلف، واحدٌ منفيّ، لا تشعر نحوهم بالانتماء، بل بالكره والضغينة، تريدُ أن تمسخهم ليكونوا مثلك، وكان خوفكَ منهم يكبر في داخلك، وأنتَ تنظرُ إليهم.. بشراً عاديين، يمارسون أدوارهم الملقاة على عاتقهم بكل طمأنينة، لم يفكروا كما كنتَ تفكر أنت في الصفح والقتل، لم يفكروا في جدوى الحرب أو عدمِ جدواها، لم يفكروا مثلكَ أيها الجندي البائس في كرههم لفكرة القتل، كانوا يقتلون بكل هدوء، وكنت تحسدهم على هدوءهم..

الجندي: (يقاطعه) لا.. لم أكن أحسدهم، كنتُ أشفقُ عليهم، كنتُ أعرفُ أنهم ليسوا سوى ضباع تُربّى للقتل.. كنتُ..

العجوز: (بغضب) لا تقاطعني أيها الجندي.. ثم ماذا يعني أن تنهض من سريركَ كل ليلة، وتذهب لتستحمّ فيما ينزفُ الدم منك.. وأنتَ لا تجرؤ على أن تصرخ.. فقط كنتَ قادراً على الغناء، غناؤكَ المزعج، كنتَ تحسدهم لأنهم يستطيعون النوم وأنت لستَ قادراً عليه لكثرة ما ربيت من أفاعٍ تحتَ لحافك.

نظرتَ في وجوههم الطاهرة..

الجندي: كنتُ أرى فيها موتاً كثيراً يتهيأ ليحصدَ العديد من الأرواح..

العجوز: حشدتَ خوفك

الجندي: استجمعت شجاعتي

العجوز: ارتجفت يداكَ وهما تلامسان البندقية..

الجندي: لأنني أكره السلاح

العجوز: تصببتَ عرقاً

الجندي: ولكن كان لابد من فعل ذلك

العجوز: أفكاركَ القذرة

الجندي: لا بد من فعل ذلك

العجوز: أوهامكَ الغبية

الجندي: ليس من حلٍّ آخر

العجوز: كرهك الممجوج..

الجندي: إنهم يربّوننا قتلة..

(يبدأ الجندي في التذكّر الهستيري، فيما يأخذ العجوز جانباً ويراقبه، الجندي يتصبب عرقاً وهو يمسك البندقية وقدماه ترتجفان، عيناه تشّعان بالخوف ولكنهما أيضاً تفيضان قسوة، يحرّك خطاه بتثاقل، ويتقدم ببطء إلى وسط المسرح، ويبدأ في إفراغ الرصاص على الأسرّة الوهمية وهو يصرخ منتشياً، فجأة يلقي بالبندقية على الأرض، ويقف مرتخياً وهو ينظر إلى الجثث.

تتحرّك الطفلة نحو الجثث بخوف وحزن، تنظر إليهم بدهشة دون أن تلمسهم، تقف عند رؤوسهم، تتأملهم قليلاً ثم تصرخ فجأة وتهرب لتختبئ خلف العربة الحربية.

ينهض الرجل العجوز من مكانه، ويقترب من الجندي الذي يفزع حينما يلمسه الرجل العجوز من كتفه)

العجوز: (يعود لشخصية العجوز) وها أنت.. بكل سذاجة دخلت إلى اللعبة من حيث ظننت أنكَ خرجتَ منها، ها أنتَ أيضاً تحوّلت لآلة للقتل، أيها الجندي القذر، ما الفرق بينكَ إذاً وبينهم..

الجندي: (يحدّق بذهول) قتلتُ القتلة..

العجوز: من أجل فكرة..؟

الجندي: (باستغراب) من أجل فكرة..!!

العجوز: وهم أيضاً يقتلون من أجل فكرة، فما الفرق بينكَ وبينهم؟

الجندي: من أنت؟

العجوز: وتظنّ أنكَ أفلتت من اليد المعروقة.. (يضحك ساخراً)

الجندي: لا فرق..

العجوز: بلى.. هناك فرق، قلتُ لكَ نحنُ لسنا صنائع ذواتنا بقدر ما نحنُ صنائع المكان، الفكرة نفسها صنيعة المكان، ولذلك فأنت هنا، غيركَ هناك لو كنتَ هنا أساساً، ولكنك تحملُ (هناكَ)ـك إلى هنا أيضاً، لن تصبحَ أبداً قادراً على التخلص من هناكك، إلا إن استوعبتَ هذه الفكرة أيها الأبله.

الجندي: (يضحك.. وكأنه لم يفهم شيئاً) أنتَ مجنون..

العجوز: (يبتسم..) أجل.. ثم ماذا؟

الجندي: ماذا تقصد؟

العجوز: كيفَ أُصبت؟

الجندي: (بذعر) ليس هناك.. ليس ليلتها

العجوز: أعرف.. كانَ دمكَ الآسن يتسرّب مع صوت غنائك الفجّ، كل ليلة إليّ، ولكن كيفَ أُصبت؟

(تضيق الغرفة أكثر، تنحصر حركتهما أكثر في مساحة أضيق)

الجندي: أتعلم.. طوال هذه الحرب كنت أعرفُ أني أتخلّقُ كل يوم لكي أقتل، أعيش كل يوم لكي أقتل، طوال هذه الحرب كانت يداي ترتجفان حين تحملان السلاح، لستُ جباناً لأرتعب من رؤية الدم، ولا شاعرياً تماماً لكي أتخيّل الزهرة في فوهة البندقية، ولكني كنتُ أنظر إليه كأنه شخصٌ ماثلٌ أمامي، يحاول أن يجبرني على أن أشبهَه، يحاول أن يعبث بتفاصيل وجهي، يضع يديه الخبيثتين في عينيّ لتتحولان إلى فراغ الزناد المقيت، يلوي ذراعي ويحولها إلى مقبضٍ خشبيٍ بشع، يتحسس أصابعي بشغف.. أجفلُ منه، وأنظر إلى أصابعي فإذا بي أراها رصاصات نحاسية باردة، كان يريد أن يلغيني، وكان لابد لي أن أقاوم، لا بد لي أن أضع كفي لأحمي رأسي من إلحاحه الغريب على أن أذهب معه في رحلة الصيد الطويلة التي يسميها الحياة.

طوال هذه الحرب لم أفكر فيما أريد حقاً، ولا فيما تريد هذه الحرب أيضاً، كنتُ أبحث عن الهروب من هذا الذي يريدني أن أكونه.

حينما أمسكت السلاح لأول مرة فكرت، ما هذا بالتحديد، أهو حقاً مجرد آلة للقتل؟ أم أنه المفهوم وأنا الآلة، هو الفكرة وأنا الأداة، هو الآمر وأنا المأمور (يبدأ في تخيّل نفسه حاملاً السلاح بيديه، يبدأ في التقدّم نحو هدفٍ مجهول).

عندما تمسك سلاحاً بيديك، تجرؤ على الذهاب بعيداً في وهمك، تتوغل أكثر في ثقتك المصطنعة، تباهي باطمئنانك الزائف، وبينما تكبر ثقتك من الخارج، ويتعاظم اطمئنانك المشوّه، تنحبس أكثر في خوفك، تصبح كل همهمةٍ عدواً، وكل وشوشةٍ هدفاً مفترضاً، عندها يمكنك أن تقتل.. وكلما قتلت، كلما تعاظمت ثقتك، واستبدّ بكَ الخوف.

العجوز: ليس السلاح في المعدن..

الجندي: ماذا؟

العجوز: أتعلم أنكَ كنت تصفُ نفسك؟

الجندي: أنا؟

العجوز: أجل.. أنت أيضاً أمسكت السلاح بيديك، أنت أيضاً قتلتكَ طمأنينة فارغة..

الجندي: أنا؟

العجوز: أجل أنت، لم تستطع أن تتفهمهم، ولا أن تتفهم نفسك، أخذك الفخّ للفخّ، خلقت سلاحكَ بيديك لكي تحمي نفسك، وعندما أمسكته أخذتك الطمأنينة الفارغة إلى الخوف، وأخذك الخوف إلى القتل..

هل تحسب أنك قتلتهم حينما أفرغت رصاصاتكَ التافهة في صدورهم؟ أبداً.. أنتَ قتلتهم عندما رفضتهم، يوم لم تتفهم ما يشعرونه، ما يدركونه، هم كانوا يُخلقون قتلة، ولكنك أيضاً خلقتَ من نفسكَ قاتلاً، وليس مهماً إن كنت استخدمتَ سلاحاً بعد ذلك أم لا..

الجندي: (ينظر إليه بصمت)

العجوز: ولكنك لم تقل لي بعد.. متى أصبت؟

الجندي: لماذا تلحّ على هذه المسألة؟

العجوز: لا ألحّ ولكني أريد أن أعرف وحسب..

الجندي: ولكنك تدّعي أنكَ تعرفني

العجوز: أعرفُك أجل، ولكني منذ عرفتكَ وأنتَ تنزف، ولذلك أسألك سؤالاً بسيطاً وتافهاً وهو متى أصبت، فلماذا لا تريد أن تجيبني عليه؟

الجندي: ليست المسألة أني لا أريد أن أجيبكَ عليه، ولكنك تستجوبني منذ وصلتُ إلى هنا بينما لم تذكر لي أبداً شيئاً عنك..

العجوز: وماذا تريدُ أن تعرف عني..

الجندي: لا أريد أن أعرف عنكَ شيئاً، ولكني لا أريد أن أشعر أنكَ تستجوبني..

العجوز: ولكني لا أستجوبك

الجندي: أجل.. فانسَ سؤالكَ إذاً.. ومتى ما أردتُ أن أخبرك، سأخبرك

العجوز: ليس الأمر كما تريد دائماً..

الجندي: ولا كما تريد أنتَ أيضاً

العجوز: بلى

الجندي: أبداً

العجوز: قلتُ لكَ بلى

الجندي: ماذا تقول؟

العجوز: قلتُ لكَ أن ما أريدكَ أن تقوله لي ستقوله، وإن لم تقله بطيب خاطر، ثمة كثير من الوسائل التي تجعلكَ تقوله..

الجندي: ماذا تعني؟

العجوز: فلا تبدأ في إثارة غضبي.. وتكلم.. منذ متى أصبت؟

الجندي: هذا أمرٌ لا يعنيك..

العجوز: ماذا؟

الجندي: ماذا تريد بالضبط؟

العجوز: أن تعترف

الجندي: بماذا؟

العجوز: أين أصبت، ومتى؟

الجندي: لا يمكن

العجوز: بالتأكيد، ولكننا سنرى إن كنت ستعترف أم لا.. (فجأة يبدو كما لو أنه تحوّل إلى رجل في مقتبل العمر، ضخم الجثة، قريب لصورة الجلاّد ولكن ليس بالصورة التقليدية للجلاد، يقفز على الجندي ويربطه إلى إحدى الآليات، ثم يبدأ في الدوران من حوله، وبين فترة وأخرى يضغط على جرحه ويضحك)

والآن، هل من الممكن قبل أن أبدأ عملي أن أرى فيكَ صبياً جميلاً ومهذباً يسارع بالاعتذار عن أخطائه، والاعتراف بها، قبل أن يغضب أباه منه.. أم أن هذا كالعادة لن يحدث إلا بعد أن –مرغماً-.. أمارس عملي..

(تضيق الغرفة أكثر، تنحصر حركتهما أكثر في مساحة أضيق)

الجندي: (بخوف شديد) ماذا تعني.. من أنت.. أين أنا؟

العجوز: أحقاً لا تعرفُ أين أنتَ؟ جميل.. وأنا الذي كنتُ أرغبُ في أن أنسيك أين أنت، يبدو أني سأشطب هذا الهدف من بين أهدافي.. ولكن تظل الأهداف الأخرى، فهل ستجعلني أشطبها أيضاً وتنفذها لي؟

الجندي: لا أعرفُ حقاً ماذا تريد مني، كنتُ هناكَ.. ثم.. (ينهار.. ويبدأ في البكاء) من أنت؟ وماذا تريدُ بالضبط؟

العجوز: لا.. لا.. لا أريدكَ أن تبكي الآن، ليس الآن على أية حال، كلهم يبكون أخيراً ولكن ليس الآن، ليس في البداية، ليس في هذه اللحظة بالتحديد، عليكَ أن تنتظر، لا تكن متعجلاً، سيأتي وقت البكاء، الآن عليكَ أن تكون قوياً مثلهم جميعاً، عليكَ أن تعاندني، تنظر في عينيّ، في عينيّ تماماً، وكأنكَ تحتقرني، وكأنك تحتقرُ وظيفتي..

لا.. ليس وظيفتي فقط، عليكَ أن تحتقر ما أنا عليه، بعينيك اسألني لماذا تمارس هذه الوظيفة القذرة..

الجندي: لماذا تمارس هذه الوظيفة القذرة؟

العجوز: لا.. لا تسألني بغباء.. بعينيكَ قلتُ لك

الجندي: ولكن..

العجوز: (يضغط على جرح الجندي الذي يصرخ من شدّة الألم) ليس هنالك ولكن، عليكَ أن تسأل بعينيك، وعليّ أن أجيب بعيني.. أو أن أهرب بعيني، كلما لاحقتني عيناك، كلما هربتُ إليكَ أكثر، كلما ذهبتُ إلى جلدك المتأهب لاستقبال غضبي..

هذه هي القاعدة.. هذا هو منطق الغرف الباردة والمظلمة، التي تنطلق منها أصوات التأوهات الوحشية بصفاء كئيب، هذه هي طبيعة العلاقة بيني وبينك، بين السؤال الذي يبحث عن إجابة محددة، والجواب الذي لا يعرفُ أين يقف لكي يتخلّص من كل هذا الألم.

أجل.. لا تنظر إليّ هكذا، وإذاً فعليكَ أن تجيب على هذا السؤال الآن.. دون مراوغة، أين أصبت أيها الجندي؟

الجندي: في غرفة مظلمة كهذه..

العجوز: أين بالضبط..؟

الجندي: في زمنٍ قديم.. قديم جداً

العجوز: ولكنك تتذكّره

الجندي: كما أراك الآن

العجوز: أين بالضبط..؟

الجندي: كان يقفُ أمامي.. بعينيه البارزتين، وفمهِ المزبد.. في يده لوحٌ خشبي أملس، وأنفاسه الكريهة تملأ الغرفة الباردة برائحة مقيتة، وكنتُ أمامه صغيراً وخائفاً..

العجوز: ثم..

الجندي: شعرتُ بدفءٍ مذلّ يتسرّب في سروالي، ويبحثُ عن مكانٍ لهُ بين قدميّ الحافيتين

العجوز: (يتحوّل إلى شخصية ..) أين وضعتها؟

الجندي: لا أدري

العجوز: كيف لا تدري.. أيها الفاجر، أتريد أن تخسف بي.. ألا تعرف كيف تحترم الـ .. (بصمت يواصل العجوز كلامه غاضباً ويبدأ في لكم وصفع وضرب الصبي (الجندي) الواقف أمامه، بينما ينسرب الجندي إلى مكان آخر يشاهد الموقف بخوف، ويواصل حديثه فيما المشهد ما يزال قائماً)

الجندي: منذ ذلك الوقت ظللتُ أنزف.. وظل دمي البارد ينسربُ في كل جانب، وظل خوفي من تلك اللحظة يتكرر، وخوفي منه يأخذ أشكالاً متعددة في كل مرة، وظللت أفزع في كل ليلة إلى غناءٍ غريب محاولاً نسيان صوت تأوهاتي، وصوت وقع لوحه الخشبي على جسدي، أفزع كل ليلة إلى الاستحمام بماءٍ يذهب بالدم إلى النسيان..

العجوز: (مواصلاً تعذيب الشخص الذي أمامه، يعود إلى شخصية الجلاد) ليس عليك احتمال كل هذا الألم.. تستطيع أن تصرخ.. تستطيع أن تئنّ، أن تبكي أيضاً..

لستَ هناكَ الآن، هنا بإمكانكَ أن تعبّرَ عن ألمك، عن حزنك، عن ندمك..

الجندي: (يلتفت إليه) هذا كان عملك؟

العجوز: أجل.. المكان

الجندي: أيُّ مكان؟ إنه داخلكَ القذر، ليس ثمة يدٍ معروقة، اليد المعروقة تخرجُ من بين أضلاعكَ..

العجوز: بلى.. كنتُ أقفُ لأتأملهم جميعاً، خائفون ومرتعبون، وكل ما كانوا يحملونه من أفكار، كان يتقاطر من أجسادهم الواهنة، ويتصبب من عيونهم الراعفة.. كنتُ أعرفُ أن المكان هو حملهم الأقصى الذي لا يستطيعون أن يخرجوا منه، ولذلك فقد كان المكان بالنسبة لي هو الحائط الذي أستند عليه وأنا أشدّ يدي على قطعة الجلد التي تنزل بقسوتها على جلودهم.

عندما أتوا بي إلى هذه الغرفة المظلمة، كنتُ ولداً صغيراً لا أحملُ للعالم أية ضغينة.. قدماي أسحبهما على الأرض بحياء وخوف، وقف أمامي الضابط المسئول، وأعطاني قطعة الجلد.. ابتسم في وجهي، وربت على كتفي.. حدّق في وجهي طويلاً ثم قال لي.. أظن أنك تستطيع أن تمسك هذه، أخذتها من يده وأنا ترتبكُ في قلبي الدماء، لم أدرِ ماذا أفعل بالضبط، كان شكل الغرفة حينها غريباً بالنسبة لي، باردة ومظلمة وتفوح منها رائحة كريهة، مازلت أذكر تلك الرائحة العفنة، بعد ذلك عرفت أنها خليط من الدم والبول والبصاق والأفكار السخيفة والعظيمة والسخرية والذل والضحك المريض بخيوط الدمع، ولكني شيئاً فشيئاً اعتدت على هذه الرائحة، وأصبحت بالنسبة لي أمراً مألوفاً وعادياً، وأحياناً لا أستطيع أن أتنفس إن لم أستنشقها.. أقولُ أحياناً فأنا في أحيانٍ أخرى، أخرج من هذا المكان بحثاً عن رائحة أخرى غيرها.. أستطيع من خلالها أن أعيد إلى أنفي بعض الهواء النقي.

من حينها.. وأنا ممسكٌ بهذه القطعة الجلدية، ومنذ ذلك الوقت وأنا أطاردُ الأماكن في أرواحكم ورؤوسكم، وأبحث عن أجوبة الأسئلة التي أعرفُ يقيناً أنكم لا تمتلكونها

الجندي: ولكن..

العجوز: لا.. لم يعد هنالك (ولكن)، منذ الآن عليك أن تعرف أن اللعبة قد انتهت.. أنت الذي جئتَ بقدميكَ إلى هنا، إلى هذه الغرفة العفنة والمظلمة، وعليكَ أن تقفَ هنا لتتلقى أسئلتي..

الجندي: أبداً.. ليس بمقدوركَ أن تغلقَ عليكَ غرفتكَ طوال هذه المدة وتتوقع أن العالم من حولك ما يزال كما هو.. كل شيء يتحول ويتغيّر، هذه الغرفة العفنة نفسها.. انظر إليها جيداً، انظر من حولك.. إنها تتغير وتتبدّل، إنها تخنقك.

العجوز: أنت الذي يخنقني بهذا الكلام.. (ينظر إليه بهلع)

الجندي: (ينظر بهلع هو الآخر)

العجوز: ما هذا.. !!

(يبدآن بتحسس الغرفة من حولهما، بينما تضيق عليهما الغرفة أكثر فأكثر)

العجوز: ماذا فعلت..؟

الجندي: ماذا؟ .. ما الذي يحدث حقاً؟ الغرفة..

العجوز: المكان..

الجندي: ماذا تفعل هذه الغرفة اللعينة، ما الذي يجري.. أين أبوابك أيها العجوز المتآكل، أين أبواب مكانك.. (يواصل البحث عن مخرج بينما يضيق المكان أكثر، يطرق على الجدار الوهمي للغرفة الموصدة) أنت أيها الذي بالخارج.. أنت أيها الذي.. نحنُ هنا، داخل هذه الغرفة، نحن هنا.. أنا هنا ولا أستطيع أن أتنفس (ما تزال الطفلة تتحرك بحرية على خشبة المسرح دون أن تشعر أبداً بالجدار الذي يضيق عليهما، ما تزال تنظف بقع الدم بكل هدوء) أنت أيها الذي بالخارج.. (ينحشران أكثر وأكثر في ضيق الغرفة، يتلاصق جسديهما أكثر) لا أنتمي..

العجوز: (يحاول الصراخ أيضاً.. غير أنه لا يستطيع الكلام، إنه يردد ذات الكلام الذي يقوله الجندي دون أن يصدر صوتاً)

الجندي: لا أنتمي لهذا المكان.. أنتَ أيها الذي بالخارج، أنتَ أيها الذي.. أنتَ تحشرنا هنا معاً، افتح هذا المكان قليلاً، دعنا نتنفس..

(مجرد أنفاس تلهث هي التي تظل تصدر عن الغرفة الضيقة، بينما تنهض الفتاة الصغيرة حاملةً معها دلوها الصغير، الذي تسكبه دفعة واحدة على الغرفة الصغيرة الضيقة والتي ينحشر فيها العجوز والجندي، لا حراك.. فقط صوت الأنفاس اللاهثة).

(إظلام)

ليست هناك تعليقات: