بإمكاننا القول أن الفعل الثقافي دائماً ما يكون نتيجة البحث، ليس في مجال الدراسات أو البحوث وحسب، بل وبدرجة متقدّمة أيضاً في مجال الفعل الإبداعي، وفي مجال عرض هذا الفعل أيضاً، وغالباً ما يكون قياس الفعل الإبداعي يتأتى بقياس مدى دخوله في البحث، ومدى اقترابه من رصد الحالة التي ينتج عنها بشكل أكثر دقة وأشدّ صرامة، وهو ما يتوفّر عليه الفاعل الثقافي عبر البحث.
ولدى حديثنا عن البحث في جانب الفعل الإبداعي، علينا هنا الممايزة بين حالتين لشدّ ما اختلطتا، الحالة الأولى هي حالة البحث الفعلية والحقيقية والتي تتناول الفعل الإبداعي من كل جوانبه، سواءً من قبل الشكل أو المضمون أو الوسائل والأدوات التي ينتج عنها الفعل الإبداعي، والتي عبرها يستطيع المبدع ابتكار محاولاته الخاصة، ويتطلّب ذلك من المبدع أن يكون متأملاً بشكل أكبر، وأن لا يركن دائماً لمنجزه الإبداعي، ولا أن يطمئن إلى الشكل الذي يتخلّق من خلاله هذا المنجز.
وفي الحالة الثانية وهي الحالة السلبية من حالات البحث، والتي هي غالبة على المنجز الثقافي، بحكم سهولتها وقدرتها الماكرة على الخداع، يكون (الاختيار) بديلاً (خدّاعاً) عن (البحث)، ذلك أنه في عصرٍ كالذي نعيشه، حيث انفجار المعرفة الكبير، وحيث تشظّي الحالة الإبداعية بحيث لا يمكن الإحاطة بها أو القبض عليها، قد يختار البعض حالة الاختيار من المنجز الثقافي والإبداعي الإنساني أو العربي، لا البحث فيه، أو قد يتوّهم البحث فيما هو يمارس الاختيار، وذلك لشدّة الامتزاج بين الحالتين، ولشدّة قربهما من بعضهما.
وحيث أن الاختيار من منجز بهذا الكم تكون (صعبة أيضاً.. بدرجة ما) فقد يختلط علينا فعل البحث فيه أو منه، (فيه) بما هو نتاج مطروح للمساءلة والبحث والاكتشاف، و(منه) بما هو نتاج جاهز ومفروغ منه ومعلّب، وعلى الفاعل الثقافي المبدع أن يحدّد خياراته فحسب.
وقد يكون الشكل والأدوات التي ينتج عنها الفعل الإبداعي أكبر شَرَك يقع فيه الفاعل الثقافي المبدع، باعتبار بديهية جهوزيتها، وبديهية الاختيار منها، غير أنها أيضاً أكثر ما يميّز بين البحث والاختيار بفعل هذه البديهية التي تجعل من كسرِها أمراً لافتاً لأي متذوّق للمنجز الإبداعي، وللناقد بشكل أكبر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق