نحو الكاف

فاطمة محسن



ما الذي يعنيه هذا الأزرق في المجموعة الشعرية الأولى للشاعرة فاطمة محسن (أسقط منكَ واقفة) التي صدرت مؤخراً عن الملتقى الثقافي الأهلي، وبطبعة المطبعة الحكومية، ما الذي تعنيه كل هذه الزرقة وهل لها علاقة حقيقية بالمجموعة؟
تقع المجموعة في أربعة فصول هي (قميص القلب) و(فتنة الأصابع) و(صور) و(حكايا)، تتوزع على 100 صفحة من القطع المتوسط، وبالرغم من كل شيء أحسست لدى تحسس هذه المجموعة، بلونها الأزرق، بلوحة الغلاف التي رسمتها الفنانة كريمة ياسين  والتي تمثل امرأة شاردة في لحظة تفكير حزينة ويقطع اللوحة المرأة من الأعلى للأسفل خط أحمر يشبه الدم تتوهج حوله هالة بيضاء لدى الرأس وصفراء لدى الجسد، كذلك مع خط عنوان الكتاب للفنان محمود الملا الذي عبّر بالنسبة لي عن محاولة للخط وكأنه كان يحاول أن يعبّر عن حالة من تمثيل الشاعرة في الخط، كل هذا جعلني أشعر أن هذه المجموعة تحمل كثير من الغربة، وكثير من الحزن، وكثير من الوحدة، وأنها تذهب كثيراً باتجاه تحسس الذات أو المونولوج الداخلي الذي يظهر بشكل بوح متواصل، تطغى فيه الأنا بحيث تختفي فيه الكائنات الأخرى في الشعر سوى كائن الذات.
غير أن هذه النظرة كانت متعلقة فقط بالشكل أو الإطار الخارجي للمجموعة، ولذلك فقد كانت نظرة مبدئية فحسب أحاول من خلالها الدخول إلى المجموعة من خلال (بوابات العبور) كما يشير إلى ذلك الناقد فهد حسين، وهذه النظرة نفسها تكسّرت قليلاً ما إن بدأت في قراءة القصائد الأولى من المجموعة، ثمة حوار بين الشاعرة ومن يستمع لها، تتخيل الشاعرة دائماً أن ثمة من يصغي، ثمة من ينتبه لما تقوله، ولذلك فهي منذ الإهداء كانت الشاعرة تخاطب أمها ولم تهدها الديوان عن طريقنا بل خاطبتها بصورة مباشرة:
(أمي ..
لحلمكِ الذي راود قلبي ذات بوح..)
وتمضي أيضاً في بقية المجموعة لتخاطب في قصيدتها الأولى (اختناق) فتقول:
(دعوني ألملم روحي
وأركض)
وفي هذه القصيدة كان من الواضح أنها تتجه للقارئ بالخطاب، وكأنها بهذه الصيغة تطلب منه التمهل في قراءة القصائد التالية، وكأنها توحي له أيضاً بمحاولة استيعاب رؤيتها للشعر، للقول، للحياة فيهما، فتقول:
(دعوني أكابد نزف الحكايات..
حين المخاض،
وألعنُ صمتَ الورق)
هي هكذا تتجه بشكل واضح إلى أنها في قصيدتها ثمة حالة إعلان، لا بوح داخلي لشاعرة فقط.
وفي نفس القصيدة تتجه بانحراف تام من مخاطبة القارئ أو القراء إلى مخاطبة الحبيب فتقول له:
(أحبكَ،
إني أحبكَ مثل اشتعال الحقائب
حين أغادر نفسي
وأصلب صوتي)
وهنا بالذات في هذه الكاف بكلمة (أحبك) تبدأ حكاية المجموعة، حين تتجه المجموعة إلى أن تصبح خطاب كلّي إليه، لولا بعض المقاطع والقصائد التي خرجت عن هذا السياق في الفصلين (صور) و(حكايا).
ظلت فاطمة محسن تتوجه بروحها وقصيدتها إليه، فكانت المجموعة في أعمّها نفساً واحداً بالرغم من أنها كانت تجمع بين قصيدتي (النثر) و(التفعيلة)، ولكن الشاعرة كانت في كلتا القصيدتين تقترب من حالات تجعلنا نستشعر أننا دخيلون في هذه المجموعة على حوار شعري رقيق وخاص بين حبيبين، وأننا لابد لنا بكل أدب أن نغلق الديوان لنترك للحبيبين فرصة اللقاء ببعضيهما، ولكن وبما أننا قراء (فضوليون) فإننا لن نلتفت لكلمة (دعوني) التي صدّرت بها الشاعرة أولى قصائد المجموعة، وسنقترب أكثر، لنسمع ما تقوله الشاعرة لحبيبها:
(أحاور سرّك
أتوق إلى غيابك
لكنك الحضور)
في هذه المجموعة ثمة لغة مغزولة بعناية لتعبّر عن حالة شعرية رقيقة ومنسابة، ولولا أن خدعة البوابة الزرقاء في غلاف الديوان هي في حدّ ذاتها لعبة من ألعاب (العشق) حيث يتوه العاشق في توصيف الحالة الفعلية لما هو عليه، ولولا أن حالة العشق نفسها بكل ما فيها من لقاء وخصام وقرب وبعد، تمثل حالة من التناقض الغريب، لرأيت أن غلاف المجموعة ولوحة الغلاف وزرقة المجموعة الباردة، لم تكن لتمثّل بصدق ما تحويه هذه المجموعة من توهّج ودفق شعوري يتجه باتجاه محدد وواضح تنتهي عنده كثير من المفردات بحرف الكاف الجميل.

ليست هناك تعليقات: