Martha Graham |
حين تكون ممثلاً، روائياً، كاتباً مسرحياً، أو قارئاً شغوفاً للحكايات. حين تكون مشاهداً مثابراً للسينما، أو صانعاً لها، أنت تقع في الخدعة تماماً، في الوهم الملموس الذي لا يمكن فرزه عن الواقع، ثمة حيوات كثيرة تعيشها خلال ساعات قصيرة، حيوات ليست معدودة ولا محسوبة، بل حتى ليست موقوتة، تتداخل في امتزاج لا معقول، وفي هروب استثنائي من الزمن نفسه، من الجغرافيا ذاتها، أنت تعيش الوهم بعينه.
تعتقد الخلود، لا.. لا تعتقده أنت تراه، تلمسه، تؤمن به، تشمه، تتنفسه. تحسب عمرك، فترى أنك كنت هنا حين كانت الأرض مجرد كرة دخانية، وتعايش فعلاً وحشة آدم، وضجر حواء خلال نزولهما العبثي إلى هذه الأرض.
تشعر أنك تقف خلف قابيل تماماً حينما امتدت يده بالطعنة، بل ربما تكون أنت، أنت بالذات.. من دفع باليد المترددة نحو صدر الأخ الوقح، الذي احتال بالطيبة ليحظى بكل شيء.
تصدّق تماماً أنكَ الوحيد الذي دخل الكهف المخيف، مع الرهط النائمين، تشعر بأنفاسهم، تلحظ تقلباتهم، وفيما تلاحظ براءة الرقاد على وجوههم، لا تقدر أنتَ على النوم، لقد عشت في الكهف معهم ثلاثمئة عام، ولم تنم، ولم تهجع.
الخرافة أو القصص الشعبية، التراث أو الحكايات المتخيلة، كل ما تم تدوينه، كل ما تقع عليه عيناك، أنتَ جزءٌ منه، جزء لا قدرة لأحد على إزاحته. وهكذا في كل الحكايات، أنت ستكون البطل الخفي، الكائن شديد الشحوب الذي يلعب بالدوافع والغايات، الذي يحرّك الرغبات والشهوات.
وبعد مضي فترة من الزمن، ستفاجئك الرغبة في النهاية، الشبع من الحياة، والتوق إلى رؤية الجانب الآخر، شيئاً فشيئاً ستبني جداراً من القصص لا يمكنك تجاوزه، جداراً يمنعك من الوصول إلى هناك، إلى الراحة الأبدية أو التعب الكليّ، أليس هذا هو الخلود بعينه؟
أنت ترغب الآن في أن يتوقف كل شيء. لكنك لن تستطيع، ستظل؛ رغماً عنك، تعيش.. وتعيش؛ حياتك وحيوات آخرين، لا مفرّ أبداً من ذلك. أنت واقع في الهوة, وكلما حاولت الخروج، ستغوص أكثر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق