1
لم يعد لدى الأدب ما يعطيه.
2
(لقد باتت الكتابة ترفاً، والقراءة ترفاً.) الجميع يقول ذلك، مع هذا يتغاضى الكثيرون عن السؤال (لماذا؟) لماذا تحوّلت المعرفة إلى كماليات؟ ولماذا لم تحقق هذه الكماليات (السعادة) للناس؟ الكتبة يقولون (مللنا)، القراء يؤكدون (لا جديد) والصورة تتسيد قبل الفعل. ثم لا شيء ينتج عن هذه القراءة ولا هذه المعرفة.
3
إنها معرفة فردانية، معرفة معزولة ووحيدة وأنانية ومتوحشة، معرفة تبحث عن المال والسلطة والشهوة والترف، معرفة لا يعنيها سوى ذاتها. ولذلك هي حزينة، ولذلك هي متخبطة، ولذلك هي تعوي.
4
الكل بات يبحث عن الطمأنينة، والقراءة وسيلة من وسائل هذا البحث، ثمة روايات تقدم ذلك، ثمة كتب التطوير الذاتي، (الشعر) كذلك دخل اللعبة، وتدور الدائرة، لكن لا طمأنينة تتحصل، وحده القلق والذعر والخوف، وحده طريق المستقبل الصخري المعزول، وحدها تكات عقارب الساعة.
5
إنها لعبة واضحة، اجعل الناس شغوفين بالطمأنينة، أحد يبحث عن المال ليطمئن، آخر عن السلطة، ثالث عن الحب، رابع عن الترقي في الوظيفة، وهكذا، هكذا. قدّم أمامهم الجزرة المربوطة بالعصا. أوهمهم أن طمأنينتهم تأتي من خلال ذواتهم فقط، الجنون الذي نحن فيه، أضواء النيون السريعة تجوب كل مكان, تبحث عن كسرة خبز.
6
الموهومون صانعو الإيهام. إن أكثر الناس قلقاً هم أولئك الذين يبيعون الطمأنينة الفردية، الصورة المستريحة لحلم الأمان، الأديب الجالس في مكتبه أو مقهاه، شاطئ البحر في نزهة، الفضاء الواسع النظيف، الصورة الكاريكاتورية لك أنت، على مكتبك الوثير، وأمامك صف من الموظفين الذين ينتظرون أن توبخهم على كسلهم. أحلام الثراء السريعة، الأنا التي تتلفت وتتلفت وتتلفت، باحثة عن أي شيء لتلتهمه.
7
أيها اليسار، ألم تكتفِ من نومك؟
8
كل هذا لكي لا نرى الحقيقة، كل هذا لنغفل عن أن لا طمأنينة إلا بالآخرين. لا تقدم المعرفة شيئاً إن لم يكن هدفها الناس. ولا يمكن أن تكون ذاتك وحسب، هذا ضد طبيعة المجتمعات البشرية، وهذا أكثر ما يوجع الفرد الآن، ويجعله حزيناً وكئيباً وقلقاً وخائفاً وغير مطمئن.
9
عوضاً عن تحسين شروط العيش في الجماعة، عوضاً عن توسيع الجماعات لتحتمل الاختلافات والفروقات الفردية، صارت الفردية الحديثة ومن ورائها الرأسمالية المتوحشة، تقدم لنا نموذج (الذئب المنعزل) كطريقة وحيدة للحياة، ثمة سعي شديد لتفتيت الجماعات، عبر التعصّب من الداخل، وعبر الاستيحاش من الخارج. وهكذا على الفرد أن ينفر من الجماعة، أي جماعة، وهكذا يسهل القضاء عليهم.. فرداً، فرداً.
10
إن كان لدى البشرية أمل في الحياة (كبشر) وليس كآلات حزينة وموحشة وكئيبة ولاهثة كما يريدون لنا، فعلينا العمل داخل جماعات، دون فقداننا لفرديتنا، ولا أرضية لذلك سوى بحقوق الإنسان كافة.. السياسية والشخصية والاقتصادية والإنسانية والمعرفية.
11
لدى الأدب ما يعطيه حقاً، لديه الحلم، لديه العناد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق