ما الحمق؟






إننا في عصر الحمقى!! هذا كلام عام، فأن تعرفُ أنك في عصر الحمقى، ليس دليلاً على أنك تعرف الحمقى فعلاً، أو تعرف من هم، أو تعرف كيف سيتصرفون، وبهذا تستطيع تمييزهم أو تمييز الحماقة في أفعالهم (أو أفعال سواهم؛ فأحيانا تصدر الحماقة من شخص عاقل، هذا وارد على كل حال)، على العكس؛ أن نكون في عصر الحمقى يعني أن تلتبس التصرفات الحمقاء بالتصرفات الأكثر رزانة وعقلانية. إننا في عصر الحمقى ليس لأننا في عصر (المهرجين) أو (الفاشنستات) أو (النجوم التافهين) أو (أدعياء المعرفة المكشوفين) أو (عصر المتطرفين)، إننا في عصر الحمقى لأنه حتى أولئك العقلاء والواعون أفعالهم قد تكون حمقاء، ومتهورة، بل لأنه حتى الأفعال الحكيمة والأشدّ عقلانية، قد تكون بحد ذاتها حماقة في وقت ما حينما لا تحسب حساب أنها موجهة لطرف آخر أحمق. يقول عمرو بن كلثوم: 
(ألا لا يجهلن أحدٌ علينا                فنجهلَ فوق جهلِ الجاهلينا). 
وعليه فحين نميّز ونقيس أفعالنا أو رأينا في أفعال سوانا، فإن من الواجب أن نقيسها من ناحية نتيجتها الكلية، وهذا أمر غاية في الصعوبة. فكيف يمكن إطلاق حكم (أحمق) على ما هو في أصله (حكيم)، أو العكس؟! كيف نعرف الحمقى حين يكون الحكماء مجموعة من مرتكبي الحماقات أو ممرريها؟! وكيف نعرف الفعل الأحمق حين يؤدي الفعل الحكيم إلى خسارات وكوارث، فيما الفعل الأحمق يؤدي إلى انتصارات وأرباح! هذا بالتحديد ما جعل من الحكماء أميل إلى ارتكاب الحماقات، أو تمريرها، ومن هنا كذلك، علينا أن نكون أشدّ حذراً لدى تلقي الحكمة منا لدى تلقّي الجهالة، فالخوف من الجهالة التي تأخذ شكل الحكمة، أما الجهالة الواضحة والحمق البيّن، فإن منها ما يصدق عليه المثل: (خذ الحكمة من أفواه المجانين).

ليست هناك تعليقات: