من ذات المشكاة




1
بقدر ما تفتح أبواباً، فإن المعرفة تغلق معها أبواباً أخرى، ليس الأمر سيئاً أو جيداً، لكنه يحدث فحسب، هذه الحقيقة المهمة كان ينبغي عليّ إدراكها كشاعر، حين أعرف عزلتي فإنني أخسرها، حين أعرف الشعر فإنني أفقده، حين أعرف الحياة فإنها تتلاشى، حين أعرف الحب فإنه ينسرب من بين أصابعي، لذا فمن الضروري أن أموّه في داخلي بعض الجوانب من كل شيء، لئلا يكتمل، لئلا يختفي. 
2
الشعر بالتحديد يرفض هذه (المعرفة) المطلقة -الفنون عموماً تفعل- لذا فهي تلجأ للرمز، للطقس، لتعبّر عما يمكن أن يمسّ المعارف، الفنون هي المجال الحقيقي لرفض المعرفة، وهذه ربما مأساة الشاعر في عصرنا، ففي حين هو كشاعر عليه أن يرفض معرفة تقود إلى الحدّة والدقة والتعريفات المسطرية، فإنه كمثقف متنور عليه أن يتقبل كل هذا، وأن يدعو له، إنه الدور الواجب القيام به، أي تحديث المجتمعات. فيظل يتردد بين هذا الرفض، وذلك القبول والتسليم، بين اكتمالين لا يمكن أن يلتقيا، فلا شاعر دون شكّ محيّر، ولا مثقف دون إيمان بالمعرفة. 
تخرج الفنون من ذات المشكاة التي تخرج منها الأديان، بالرغم من الفارق الشاسع بين الاثنين، وقد يفسّر هذا تلك العداوة القائمة بينهما سراً أحياناً، وعلناً في أحيان أخرى، فالفن المنفلت من كل قيد، هو الوجه الآخر للدين المتزمت بقيوده المتعددة.

ليست هناك تعليقات: