حفيف الشجرة المحبوسة

لا شيء غير صمتِها الذي بدأت أستريب، غير حديثها المحموم عن أصدقاء وعشاق وأزواج مفترضين، لا شيء غير سحقها الغريب لي بوهم الصداقة.
أتركُ عينيّ على جبينها كقبلة.. مثلُ شبح مخترق.. تمرّني دون أن تحرّك من حولي الهواء.

***
مرة قلتِ لي (بدأتُ أنسى).. هكذا كعاملة مقهى شاطرة، مسحتِ الماضي، وكنتُ أنظر إلى الرخام النظيف بدهشة، حين سكبتِ كوب القهوة بالكريما عليه، القهوة بالكريما.. تلك التي لم أحب يوماً.

***
صدّقيني لا أحاسبكِ على شيء.. يكفيني أن أكون هنا، أترقب أوراقك التي لا تقع، حاملاً منديلي وأنتظر أن تطلبيه، مصغياً تماماً لحفيفِ الشجرة المحبوسة في قارورةٍ زجاجية محكمة.

***
كلانا لا نحب القهوة بالحليب.. كلانا نشعر بذلك الوخز الإلهي في جسدينا كلما كنا سويا، كلانا تقفز ملائكة دمع صغيرة من عيوننا حين لقاء.. كلانا.. يمنعنا هذا التشابه أن نعترف ببعضنا.

***
ما معنى أزواج مفترضون؟ ما معنى عشاق؟ ما معنى أصدقاء؟ تسألني دون اكتراث.. ولا أجيب، فقط يحدث أن تصطدم في دمي مجرّتان.. وينهار عالم افترضته بوهم.

***
ها أنا أعيد إليكِ كل شيء.. غلاف شفاطة العصير الذي كتبتِ فوقه، دمي الذي هرب مني حين جلستِ إلى جانبي في المقهى، أعطيكِ أيضاً قلقي عليكِ في المقهى الآخر، رغبتي بكِ في المتحف وأنتِ تعبرين باباً من فراغ، لمسة لم تكتمل لنهد، قبلة بين أصابع خائفة.. أعيد إليكِ كل شيء.. وأذهبُ مثقلاً بوهمِ الخفة.

***
لم أحدّق في المرآة كثيراً.. فقط أثارني كيف انكسرت هكذا دون صوت.. فيما شظاياها كانت تنفلت نحو جسدي كشُهُب.

***
لم يعد يستطيع.. خيباته اتسعت.. والشوارع أسرع من أن يقطعها وحده، حين يدكِ تبحث عن يدٍ أخرى

***
جالساً على كرسيه الأحمر، يحدّق في شاشة مضيئة.. من خلفها امرأة .. جالسة على كرسيها الأحمر.. أمامها شاشة مطفئة.

***
لن أقول شيئاً.. هذه المرة، سأبتسم لها فقط، وهي أيضاً ستفهم، وستنزل من على سلالم الخوف.. درجة، درجة.. ولن تتعثر بجثة رجل آخر، تريها له مرة أخرى.
أنتِ التي لا أبحثُ عنها، لا أمدّ يدي نحو وهم لمسها، أشهقُ فتتسعُ ذاكرتي بكِ، لن نبتسم كلانا، سينظرُ كلٌ منا للآخر، بعينين من غبار، من ضبابٍ داكن، أنتِ السلامُ يطوّحُ برغبتي في دفن نفسي، لا تجلسي على هذا الكرسي.. ضعي لكِ جناحان أبيضان كصريرِ ضوءٍ خافت، وافرديهما وطيري، لن أبحث عنكِ حين أشعرُ بالوحدةِ هنا، حين أسعلُ من البرد وتدمع عيناي، لن أغمضهما وأحلمُ بكِ، لن أختبيء تحت اللحاف وأحاولُ نسيان وجهكِ، طيري أكثر، فبرغم أني لن أبحث عنكِ.. أنتِ لن تعرفي أبداً كيفَ سأجدك.



ليست هناك تعليقات: