مهدي سلمان: ما أنجزه اليوم ليس إلا مسوّدة لما أكتبه غدًا






تختلف صناعة الكتاب العربي عن صناعة الكتاب الغربي، لعوامل ترتبط بعدم نضج السوق، ولهذا السبب، تتغاضى دور النشر أحيانًا عن دورها في عملية تحرير الكتاب وتجويده في مرحلة ما قبل النشر، الأمر الذي يحولها إلى مجرد مطابع. قد يجد بعض الكتّاب راحة في هذه الصيغة، خاصة الكاتب الذي لا يرغب بتغيير شيءٍ في نصّه، وقد لا يقبل بذلك لو حاول محرّر الدار اقتراح بعض التعديلات. في حالةٍ أخرى، يجد الكاتب نفسه مضطرًا للنهوض بمهمة التحرير بنفسه، وهو ما ينطوي على مخاطرة، لأن العين التي تكتب يصعب أن تكون العين التي تحرر، دون أن تفلت منها بعض الأمور. كما يلجأ بعض الكتّاب للاستعانة بكتّاب أصدقاء، أو نقاد، أو قراء يختارهم من قنوات التواصل الاجتماعي، محاولًا جمع أكبر كم ممكن من الانطباعات الموثوقة قبل إرسال نصه إلى الناشر. 

وسؤالنا في تكوين هو:

ما الذي تفعله أنت، بعد الانتهاء من كتابك؟

جربت الطرق أغلبها، تركت كتابًا لدار النشر، حرّرت آخر بنفسي، أعطيت آخر لأصدقاء، لكني أعرف أنها ليست بالمهمة السهلة في الشعر. اشتغلت محررًا في إحدى دور النشر، وأعددت ملاحظات على مجموعات شعرية كثيرة لغيري، بعضها رفضها الناشر لأنه اعتبرها تدخّلاً في النص الشعري، وبعضها رفضها الكاتب لأنه يرى أن كتابته تامة. عن نفسي قد أظل أناقش جملة واحدة لأيام، وقد أمرر صفحات في ساعات، وما أفعله أنا حقًا أني أحرّر نصوصي واحدًا واحدًا وعلى مهل أولاً، ثم بعد ذلك حين تنتظم النصوص التي قد تنتظر لسنوات فيما يشبه المجموعة، عندها ألجأ للخيارات الأخرى، كأن أعطيها لأصدقاء قساة، يطلبون مني أن أحذف بعض النصوص، وآخرين عطوفين، أكثر ما يفعلونه هو تصحيح خطأ نحوي أو لغوي هنا أو هناك.
الجيد في الشعر - بحسب ما أرى على الأقل - أنه لا ينتهي، فما أنجزه اليوم، ليس إلا مسوّدة لما أكتبه غدًا، وهكذا فهو تحرير مستمر ليس على النص، إنما على الأفكار التي فيه.

هل تعتقد بأن التحرير مرحلة بالغة الأهمية، لاحقة على مرحلة الكتابة؟

لم أستشعر أهمية التحرير إلا بعد فترة من الزمن وارتكاب الحماقات والأخطاء، أظن أن التحرير الفعلي هو قراءة النص مع من تثق في مخيلته وتثق في اتقاد ذهنه وتجربته، التحرير هو عملية إخراج للنص المكتوب، مثلها مثل عملية الإخراج في الدراما، غالبًا لا يتسنى للكتاب ذلك في عالمنا العربي، ولكن تجربة عملية تحرير طويلة مرة، ستجعل الكاتب ينظر بجدية لأهميتها. 

كم تستغرق فترة التحرير والمراجعة لديك غالبًا؟

كما أسلفت، ففي الشعر المسألة تصبح أكثر تعقيدًا، لأنني أهتم بالنص الوحيد أولاً، وهذه العملية تستغرق سنوات بحسب النصوص. ثم حين تلتئم نصوص مع بعضها في مجموعة، أدخل في عملية تحرير أخيرة، وهذه لا تستغرق أشهر.

من أن تحصل على العون اللازم لذلك؟ هل لديك محرر؟ أم تستعين بأصدقاء؟

الأصدقاء القريبون خير معين، أظن عملية التحرير هي مناقشة مطولة في المعنى والتفسير والشرح والأسلوب والتقنيات والأدوات، لذا؛ فإن المحرر القريب يصبح أكثر جدوى، حيث يمكنكما أن تجلسان معًا، وملاحظة كل ذلك.

ما هو المعيار الذي تتبعه لقبول تعديلٍ مُقترحٍ من عدمه؟

الإقناع، والدهشة، إن استطاع المحرر إقناعي برأيه، إن استطاع إدهاشي بجديد لم أكن أدركه وقت الكتابة، فبالتأكيد، لابد من التقدم بأخذ رأيه. 



ليست هناك تعليقات: