بالنسبة للصبي، كان العالم كله يحده من أسفل فخذ أمه، ومن أعلى مشمرها، وكان من الممكن أن يتكدس هناك، منبهراً بالألوان التي يؤججها الضوء ويحركها الهواء، والحرية الوحيدة التي يحلم بها لعالمه، هو فسحة من المشمر، ليخرج رأسه متنفساً بعض الهواء، ومتأكداً من لمسة حنو على رأسه، ليعود بعدها لعالمه، مستمتعاً بالضوء والألوان، وبرائحة التبغ التي تصدر مندغمة مع صوت غرغرة الماء المنبعث من الجرة الفخارية العجيبة.
بالنسبة للصبي، كان سروالها القيطان بورود الترتر اللامعة وخيوط الشرابة السوداء هو الطبيعة كلها، فوروده حقله وشرابته ذيل حصانه، وهذا كان يكفيه ليحلم أو ليسافر.. بالنسبة للصبي الذي يشبه أمه كأنه نسختها الطفلة، كان صوتها وهي تحكي سماءه التي إليها يطير، لكن بالنسبة للرجل الذي صار الطفل عليه، الرجل الذي لم يعد يتذكر، فإن العالم، أرض يابسة، والطبيعة حريق في العينين، والسماء رماد معلق في انعدام الجاذبية، والخيول كلها، تركض دون سيقان ودون ذيول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق